في عالم الطبيعة الواسع والمعقّد، ثمة ظواهر بيولوجية تثير الدهشة، كالقدرة على التكاثر من دون شريك مثلاً. إنها ميزة "التكاثر العذري" أو "التكاثر اللاجنسي"، تنفرد بها كائنات حية قليلة في مملكة الحيوان، وتُعدّ من أعظم أسرار الطبيعة، تلقي الضوء على قوة الحياة في البقاء والتكيّف مع الظروف البيئية المتغيّرة.
بعض الأنواع الحية، من زواحف وبرمائيات وأسماك وحشرات، قادرة على الإنجاب من دون أي حاجة إلى التزاوج. إنها قدرة استثنائية تفتح أبواباً واسعة لفهم أعمق لعملية التكيّف البيولوجي والوراثي التي تمكّن هذه الكائنات من البقاء في بيئات قاسية، أو عندما يكون عدد الشركاء محدوداً، كحال أفعى البوا في المملكة المتحدة التي أنجبت 14 ثعباناً صغيراً... وهي "عذراء"، لم تلتق ثعباناً مدة 9 أعوام على الأقل.
يقول تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس" أخيراً، إن هذه الظاهرة ليست بمعجزة، "ولا هي ثمرة لقاءات سرّية، إنما هي تكاثر عذري، فبعض الإناث في بعض الأنواع النباتية والحشرية والبرمائية والطائرة والزاحفة لا تحتاج إلى حيوانات منوية ذكرية لتتكاثر".
في التقرير نفسه، ظن الناس أن سمكة الراي اللاسعة المسمّاة تشارلوت في نورث كارولينا كانت حاملاً بلا تزاوج، لكنها نفقت في حوض أسماك في الأسبوع الماضي قبل أن تلد صغارها، ولم يُعرف حقيقةً إن كانت حاملاً بالفعل.
لكن، كيف ذلك؟ يقول تقرير "أسوشيتد برس" إن عملية التوالد العذري تحدث عندما تندمج بويضة الأنثى بخلية أخرى، تكون في الغالب خلية متبقية من عملية إنتاج البويضة... فتتلقّى هذه البويضة بيانات جينية تحصل عليها في العادة من الحيوانات المنوية الذكرية. وفي تلك اللحظة، تبدأ الخلية في الانقسام لتكوين الجنين.
هذا التكاثر العذري موجود في البرية، لكن مدى انتشاره غير واضح، وثّقه العلماء في عالم أسماك المنشار الصغيرة في فلوريدا، وهم يعتقدون أن الإناث تتكاثر بهذه الطريقة أحيانًا بسبب قلة الذكور، "فهذا يضمن استمرارية النوع وتنظيم التعداد، كما في بعض أنواع النمل ونحل العسل"، إلّا أن هذا التكاثر يقلّل التنوّع الجيني، فيضع الأنواع الموجودة في مهبّ الأمراض والتغيّرات البيئية.