في بلد يحتضن أحد أعلى نسب الكاثوليك في العالم، حيث تُعتبر الأسرة والروابط الزوجية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والتقاليد، يواجه الفلبينيون معركة قانونية مثيرة قد تغيّر مفهوم الزواج إلى الأبد. كيف سيكون حال المجتمع عندما يُسمح أخيراً بالطلاق في بلد حرمّه لقرون عدة؟ ترضخ الفليبين تحت صراع بين الرغبة المتزايدة في تحرير النفوس من زيجاتٍ ميتة والتقاليد المترسّخة تحت شعار "ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان".
تعتبر الفليبين الدولة الوحيدة في العالم، إلى جانب الفاتيكان، التي يعتبر فيها الطلاق غير قانوني. ولكن قد يتغير ذلك قريباً حيث تنتظر الفليبين التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب إلى 116 مليون نسمة قانوناً جديداً من المتوقع أن ينهي القانون القديم.
وبحسب ما نشر في موقع Independant، أقرّ مجلس النواب في 22 مايو مشروع قانون الطلاق المطلق، الذي يحدد عدداً من الظروف التي تسمح بالطلاق وأُرسل إلى مجلس الشيوخ لمزيد من المداولات، وسيصبح مشروع القانون نافذاً إذا أقره المجلس الأعلى للبرلمان.
وأعرب ما لا يقل عن خمسة من أصل 24 عضواً في مجلس الشيوخ عن دعمهم لمشروع القانون، وهو عدد كبير في هيئة تشريعية يتمتع فيها المشرعون المحافظون المدعومون من الكنيسة الكاثوليكية بنفوذ كبير.
لقد مرّ ما يقارب خمسة قرون منذ أن استعمر الإسبان الفليبين لأول مرة، ومع ذلك فإن بصمتهم في هذا البلد في جنوب شرق آسيا تركت آلاف الأزواج محاصرين في زيجات ميتة منذ فترة طويلة. وقد فشل مشروع قانون مماثل في عام 2018 في مجلس الشيوخ بعدما واجه معارضة قوية من أعضائه المحافظين.
تم إقرار مشروع القانون الجديد بصعوبة بفارق ضئيل من 126 صوتاً لمصلحته، و109 أصوات ضده، وامتناع 20 عضواً عن التصويت.
إلا أن الكاتب الرئيسي لمشروع القانون، إدسيل لاجمان، متفائل بأن القانون سيحقق النجاح. وأضاف أن القانون المقترح دستوري ولا ينتهك التعاليم الكاثوليكية. ومع ذلك، وصفت الكنيسة الكاثوليكية والسياسيون المناهضون للطلاق التحرّك بأنه "دفاع غير عقلاني" عدا أنه لن يكون هناك استقرار في الزواج مع تشريع الطلاق. وستصبح عهود الزواج التي تُقطع باسم الله والوعد بالبقاء في السراء والضراء حتى الموت مجرد كلام لا معنى له.
حظرت الفليبين الطلاق بفعّالية منذ استعمارها من قبل إسبانيا في القرن السادس عشر. حيث أسّست الكنيسة الكاثوليكية نفوذها خلال الفترة الاستعمارية وأصبحت تعاليمها متجذرة بعمق في القانون والثقافة الفليبينية. ولم يسمح القانون المدني الإسباني، الذي حكم الفليبين في ذلك الوقت، بالطلاق، ما يعكس عقيدة الكنيسة الكاثوليكية حول عدم قابلية الزواج للتفكك.
سمح القانون المدني الذي تم تمريره في عام 1949 بالانفصال القانوني وإبطال الزواج ولكنه لم يعد العمل بالطلاق. وقد ظل هذا القانون قائماً، مع إدخال تعديلات طفيفة فقط، ما عزز حظر الطلاق. وفي عام 1977، قام الرئيس آنذاك فرديناند ماركوس الأب بتشريع الطلاق للمسلمين من خلال مرسوم رئاسي، ولكن القانون ظل سارياً على البروتستانت والبوذيين وأتباع الديانات الأخرى.
تشمل أسباب إبطال الزواج في الفليبين العجز النفسي، وجراحة تغيير الجنس، وموافقة الوالدين، والاحتيال، وانفصال الزوجين لمدة خمس سنوات، ولكنها لا تشمل الإساءة الجسدية، الهجر أو الخيانة الزوجية.
وعلى الرغم من أن ضحايا حالات الإساءة الجسدية والخيانة الزوجية يمكنهم السعي للحصول على الانفصال القانوني الذي يسمح لهم بالعيش مستقلين، إلا أنهم يظلون متزوجين قانونياً من المعتدين عليهم. بالإضافة إلى أنه يجب إثبات هذه الأسباب في المحكمة، ويمكن أن تكون عملية الإبطال طويلة ومعقدة ومكلفة، ولهذا السبب يتزايد الدعم لتشريع الطلاق.
ويسعى التشريع المقترح إلى توسيع الأسباب التي يمكن بموجبها حل الزواج. وتشمل هذه الأسباب الإساءة الجسدية تجاه الزوج أو طفله، والإكراه على ممارسة الدعارة، والخيانة الزوجية، والهجر، أو أي ظرف آخر يُسمح فيه حالياً فقط بالانفصال القانوني.
ووجد استطلاع أجراه معهد الأبحاث الاجتماعية في مارس أن 50 في المئة من البالغين الفليبينيين يدعمون مشروع القانون و31 في المئة يعارضونه، بينما لم يقرر البقية.
وكان هذا ارتفاعاً كبيراً مقارنة بعام 2005 عندما كان 43 في المئة من السكان يؤيدون الطلاق و45 في المئة يريدون أن يظل غير قانوني.
دعم الرئيس فرديناند ماركوس جونيور قانون الطلاق عندما تولى منصبه في عام 2022، وكان يعتقد أنه بينما تستدعي بعض الحالات الطلاق، فإنه لا ينبغي أن تكون الفليبين مثل البلدان الأخرى حيث يكون الحصول على الطلاق سهلاً للغاية.