تشهد مدن الصين انتشارا لسيارات الأجرة من دون سائق، وسط ذهول السكان لمشهد "أشبه بفيلم خيال علمي"، وتثير هذه الظاهرة في آن واحد مزيجا من الحماسة للفكرة وانعدام الثقة في شأنها.
واستثمرت شركات التكنولوجيا العملاقة وشركات صناعة السيارات الصينية بمليارات الدولارات في مجال القيادة الذاتية في السنوات الأخيرة، سعيا إلى اللحاق بنظيرتها الأميركية التي تحتل الصدارة في هذا المجال.
وأصبحت مدينة ووهان الكبيرة في وسط الصين والبالغ عدد سكانها 14 مليونا، أكبر مختبر عالمي للقطاع، إذ تعمل فيها 500 سيارة أجرة ذاتية القيادة المعروفة بـ"روبوت تاكسي"، وهو رقم قياسي عالمي.
ويمكن طلب سيارة من هذا النوع بواسطة تطبيق هاتف محمول بسيط كذلك مستخدم لطلب السيارات العادية.
ورأى أحد سكان المدينة ويدعى يانغ لوكالة "فرانس برس" أنه "أمر سحري إلى حد ما، أشبه بفيلم خيال علمي!".
إلا أن حماسته هذه لا يشاركه إياها الجميع.
فالمخاوف في شأن درجة الأمان المتوافرة في هذه التكنولوجيا تجددت في نيسان (أبريل) عندما تعرضت سيارة "آيتو" (من شركة "هواوي" لصناعة الإلكترونيات) لحادث قاتل في الصين. وأشارت الشركة إلى أن نظام الفرملة الآلي لم يُفَعَّل.
وأدى حادث صدم غير خطير تعرّض له أحد المشاة من سيارة أجرة آلية في ووهان الشهر الفائت إلى تجدُّد المخاوف.
ويخشى سائقو سيارات الأجرة التقليدية وسيارات النقل التي يقودها سائقون من أن تحلّ هذه التكنولوجيا مكانهم تدريجاً.
وتندرج سيارات الأجرة الآلية في ووهان ضمن مشروع "أبولو غو" التابع لشركة التكنولوجيا الصيني العملاقة "بايدو"، والذي حصل على أول ترخيص للعمل في المدينة عام 2022.
"إنهم يسرقوننا"
وبات انتشار أسطول "بايدو" يشمل راهنا مساحة تفوق ثلاثة آلاف كيلومتر مربع - أي أكثر من ثلث مساحة المدينة.
وعلى سبيل المقارنة، تفيد شركة "وايمو" الأميركية بأن أكبر مساحة تغطيها تبلغ 816 كيلومترا مربعا في ولاية أريزونا.
وعندما تصل السيارة إلى الموقع المخصص لصعود الركاب إليها، ينبغي على هؤلاء مسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هواتفهم لفتح قفل السيارة.
وخُفضت الأسعار عمدا، إذ أن رحلة لوكالة "فرانس برس" استغرقت 30 دقيقة كلّفت 39 يوانا فحسب (5,44 دولارات)، في حين كانت التكلفة لتبلغ 64 يوانا لو كانت بسيارة أجرة عادية.
وقال دينغ هايبينغ، وهو سائق سيارة أجرة من ووهان: "إنهم يسرقون مصدر رزقنا".
ويخشى هايبينغ أن تسحق شركات الـ"روبوت تاكسي" بأسعارها المخفوضة أي منافسة من مؤسسات سيارات الأجرة التقليدية، ثم تعيد رفع أسعارها عندما تصبح في وضع ملائم، وهي خطة سبق أن استخدمتها شركات سيارات النقل الصينية التي يقودها سائقون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، لا تشكل سيارات الأجرة الآلية راهنا سوى نسبة ضئيلة من عشرات الآلاف من سيارات الأجرة وسيارات النقل التي يقودها سائقون في ووهان.
لكنّ عددا متزايدا من المدن الصينية أطلق سياسات ملائمة للقيادة الذاتية، وهو اتجاه شجعته الحكومة من أجل منافسة الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، تعمل شركة "بايدو" ومنافستها الصينية "بوني. إيه آي" Pony.ai منذ سنوات على اختبار نماذج عدة بمستويات مختلفة من الاستقلالية، غالبا في المناطق الصناعية، الأقل ازدحاما من مراكز المدن.
شاشة تعمل باللمس
وفي تموز (يوليو) الفائت، منحت سلطات شنغهاي أول دفعة من رخص السير الموقتة للسيارات الذاتية القيادة. ووافقت بكين على استخدام سيارات الأجرة الذاتية القيادة بالكامل في بعض المناطق الطرفية.
ويجري تنفيذ مشاريع تجريبية أيضا في تشونغتشينغ (جنوب غرب) وشنتشن (جنوب)، عاصمة التكنولوجيا في الصين.
لكنّ المحلل في شركة "تريفيوم تشاينا" في بكين توم نونليست رأى أن "الطريق لكي تصبح هذه المركبات في كل مكان لا يزال طويلا".
وقال لوكالة "فرانس برس": "يبدو أن الجميع يعتقدون اليوم أن القيادة الذاتية أمر لا مفر منه".
غير أنه لاحظ أن "هذه التكنولوجيا (...) ليست جاهزة بعد في الوقت الراهن للانتشار على نطاق واسع".
فحتى لو كانت سيارات الأجرة "أبولو غو" في ووهان قادرة على اكتشاف العقبات وتوخي الحذر الشديد عند التقاطعات، فإن السيارات لا تزال تخضع للمراقبة عن بعد من موظفين من لحم ودم.
وخلال رحلة بإحدى السيارات، اتصل أحدهم بالركاب من وكالة "فرانس برس" بواسطة شاشة اللمس الموجودة في مقصورة الركاب لتذكيرهم بربط أحزمة الأمان.
ومع ذلك، لن تتمكن الروبوتات أبداً من الحلول مكان البشر في بعض الجوانب.
وقال سائق نقل الركاب تشاو إن "بعض الزبائن يعانون إعاقات ولا يمكن لهذه السيارات الذاتية القيادة مساعدتهم. ناهيك عن الركاب الذين يحملون أغراضاً كبيرة الحجم".
واضاف: "وحده إنسان يستطيع أن يمد لهم يد العون".