بدأت القصة في عام 1978، حين غادر جاك سعادة لبنان المشتعل حرباً إلى مرسيليا الفرنسية، فأسس فيها شركة Compagnie Maritime d'Affrètement للنقل البحري، التي تعرف اليوم في العالم بحروفها الثلاثة "CMA"، التي صارت مرادفاً للرؤية التي تتحقق نجاحاً.
وتقول صحيفة "لوموند" في تحقيق طويل إن رؤية سعادة الأب على متن سفينة شحن واحدة. سرعان ما تطورت الشركة وتوسّعت، فاعتمدت أساليب شحن مبتكرة، وتبنت تقنيات حديثة. وفي العقدين الأوّلين من تأسيس الشركة، نجح جاك سعادة في إرساء أسس قوية للنمو، ساعدته في تعزيز مكانة "CMA" في الأسواق العالمية، خصوصاً بعد دمجها بشركة "CGM" في عام 1996، لتصبح "CMA CGM"، واحدة من أكبر شركات الشحن في العالم.
استدامة وابتكار
اليوم، ها هو سعادة الابن، رودولف، يحمل المشعل الذي أشعله والده، ويوسّع الإمبراطورية.
ففي عام 2017، تولى رودولف منصب الرئيس التنفيذي في الشركة بعد وفاة والده، وكان على دراية تامة بهذا القطاع وفرصه وتحدياته، فعزّز استثمارات شركته في تقنيات النقل البحري، والبنية التحتية اللازمة، مبدياً الحرص الشديد على تحسين الكفاءة التشغيلية لشركته، وتطوير شبكتها العالمية.
ركّز رودولف في إدارته "CMA CGM" على الاستدامة والابتكار، مستفيداً من التقنيات المتقدمة لتقليل الأثر البيئي لعمليات سفنه، كما وسع نطاق خدمات شركته ليشمل النقل براً وجواً، ما عزز قدرتها على تقديم حلول لوجستية شاملة لعملائها في جميع أنحاء العالم.
ارتباط بالجذور
وعلى الرغم من التحولات العالمية التي شهدتها الشركة، وإدارته شركة تمتد عملياتها في أكثر من 160 دولة، بقي رودولف مرتبطاً بجذوره اللبنانية، وبقي بلده جزءاً من سردية نجاحه، بعدما ورث عن والده فخره بأصوله، واعتزازه بقيمه.
انعكس هذا التمسك بالجذور في نهجه الذي جمع الحكمة التقليدية والطموح العالمي. وقد عبّر في مناسبات عدة عن امتنانه لقيم عائلته اللبنانية التي تشكل أساس قيادته للشركة، وكان حريصاً على تعزيز العلاقات بين شركته ولبنان بمبادرات عديدة لدعم الاقتصاد اللبناني والمجتمع المحلي.
وقد استمرت شركته في أداء دور فعال في الدعم الإنساني بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020، إذ كانت من أوائل الشركات التي قدمت مساعدات لوجستية للبنان.
تحديات ونجاحات
واجهت عائلة سعادة تحديات كبيرة، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية والتقلبات في سوق الشحن، إلا أن رؤية جاك سعادة وتصميم ابنه رودولف ساهما في إنجاح الشركة بالابتكار والتكيف مع التغيرات في السوق، كاستخدام السفن الضخمة، وتطوير الموانئ الحديثة، وإدخال الخدمات الرقمية في جميع مراحل سلسلة التوريد.
باختصار، "CMA CGM" قصة نجاح عائلية تحوّلت إلى إمبراطورية شحن عالمية، بفضل الرؤية السديدة والتزام الابتكار وتحمل المسؤولية البيئية، حتى صارت معياراً تقاس فيه الإنجازات في عالم الشحن البحري.