في اكتشاف علمي مذهل، نجح الباحثون في فك شيفرة أكبر جينوم حيواني تم التعرف عليه حتى الآن، وهو يعود لسمكة غريبة تُعرف بقدرتها على التنفس عبر الهواء. هذه السمكة التي تُدعى "سمكة الرئة" (lungfish)، تجمع بين الخصائص المدهشة للأسماك والكائنات البرية، ما يجعلها هدفاً مثيراً للاهتمام في مجال الأبحاث العلمية.
يمثل هذا الاكتشاف خطوة كبيرة نحو فهم أعمق لتطور الحياة على الأرض، خاصة في ما يتعلّق بالانتقال من الكائنات البحرية إلى البرية. في هذا التقرير، سنستعرض تفاصيل هذا الإنجاز العلمي وأهمية الجينوم الضخم لهذه السمكة في دراسة التطور والبيولوجيا الجزيئية.
تثير السمكة الرئويّة الاهتمام كونها الأقرب للمخلوقات البرّية التي تُعتبر من أسلاف الفقريات. فقبل 400 مليون عام تقريبا، تطوّرت تلك المخلوقات وانتقلت من الماء للعيش على اليابسة، واللافت في الأمر هو أنّ السمكة الرئويّة هي أقرب كائن للإنسان من بين الأسماك كلّها.
في السابق، فكّ العديد من الباحثين أنفسهم شيفرة جينوم سمكة الرئة الأسترالية في عام 2021. وكان يعتبر آنذاك أكبر جينوم لأي حيوان تم تسلسله على الإطلاق، حيث بلغ 43 مليار زوج قاعدي. وقال عالم الأحياء التطوري أكسل ماير من جامعة "كونستانز" في ألمانيا إنّ الحمض النووي للسمكة الرئويّة في أميركا الجنوبيّة هو الأكبر بين جميع الجينومات الحيوانيّة وأكبر منه لدى السمكة الرئويّة الأستراليّة.
أمّا جينوم الإنسان فيحتوي على 3 مليارات زوج قاعدي فقط وهذا مدهش مقارنةً بالسمكة الرئويّة. فالبعض من هذه الأحماض النوويّة التي تحملها لا تؤدّي دوراً مهماً. وأشارت إيمّا بيرفيتّو في مجلّة كوزموس إلى أنّ جسم هذه السمكة يحتوي على جينات قافزة تنسخ نفسها ويتغيّر مكانها في الجينوم مع مرور الزمن، ما يعزّز حجم السمكة، وهذه الجينات تساعدها على التأقلم مع تغيّر المحيط. ولكنّنا نجد تلك الجينات القافزة في جسم الإنسان أيضاً، غير أنّ الجسم البشري يحوي آليّات مدمجة للتحكّم بها على عكس السمكة الرئويّة.
ووجد الباحثون أيضاً دلائل تشير إلى تطوّر الفقاريات ذات الأطراف الأربعة. فعلى سبيل المثال، لا تزال السمكة الرئويّة الأسترالية تتمتّع بزعانف شبيهة بتلك لدى أسلافها التي ساعدتها بالخروج من الماء آنذاك والانتقال إلى اليابسة. ومع ذلك، فإنّ زعانف الأسماك الرئويّة في أفريقيا وأميركا الجنوبيّة رقّت جداً في خلال المئة مليون سنة الماضية. فالعثور على سمات مشتركة بين جميع أنواع الأسماك الرئويّة قد يلمّح إلى ميزات لربّما كانت مشتركة مع أسلافها.
صحيح أنّ الأسماك الرئويّة هي صاحبة أكبر جينوم في عالم الحيوان، غير أنّ جينومات الكائنات الحيّة الأخرى كالنبات قد تكون أضخم. مثلاً، يشمل نبات "سرخس كاليدونيا الجديدة" 160 مليار زوج قاعدي في حمضه النووي، ما يجعله صاحب أكبر جينوم على الأرض.
في ختام هذا التقرير، يتضح أن اكتشاف الجينوم الضخم لسمكة الرئة الأسترالية يمثل خطوة فارقة في مجال العلوم البيولوجية والتطور. هذا الجينوم الفريد لا يساعد فقط في فهم كيفية تطور الكائنات من الحياة المائية إلى الحياة البرية، بل يفتح أيضاً آفاقاً جديدة لدراسة الأنظمة البيولوجية المعقدة والتكيفات التي مكنت الكائنات الحية من البقاء عبر ملايين السنين.