الحرارة التي تنعش الروح أو البرودة التي تحتضن الجسم بهدوء؟ الصيف بأشعة شمسه الذهبية، أم الشتاء بثلوجه الهادئة؟ لكل شخص ميل فطري نحو أحد هذين الفصلين، وكأن الطبيعة تختبرنا في معركة أبدية بين الحرارة والبرودة. لكن لماذا نحب فصلاً دون الآخر؟ قد تكون الإجابة أبعد من مجرد الطقس نفسه. فالعلم، إلى جانب التجربة الإنسانية، يقدم لنا نظرة أعمق لهذه التفضيلات التي تبدو بسيطة لكنها تخفي الكثير.
الصيف هو فصل الحياة المتجدّدة، حيث تستيقظ الطبيعة بألوانها الزاهية وأشعتها الساطعة. ويعشق محبّو الصيف هذا الفصل لأسباب عدة. وبحسب الدراسات، يعتبر التعرض لأشعة الشمس من أكبر محفزات إنتاج السيروتونين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالسعادة والاستقرار النفسي. لذلك، يشعر محبو الصيف بالنشاط والتفاؤل في ظل أشعة الشمس المشرقة.
أما من الناحية الأدبية، فالصيف يشبه تلك اللحظات التي نشعر فيها بأن الحياة تتفتّح أمامنا، كزهرة تمتص دفء الشمس. هو الوقت الذي يخرج فيه الناس من شرانقهم، يسافرون، يكتشفون، ويستمتعون بحرية لم تكن ممكنة في الشتاء. هناك شعور بالخفة والفرح ينتابنا عندما نرتدي ملابسنا الصيفية الخفيفة، ونخطو خطواتنا في شوارع مضاءة بأشعة الشمس التي تضفي على كل شيء بريقاً خاصاً.
وفي المقابل، هناك من يجدون راحتهم في برد الشتاء وصمته. يعشق هؤلاء الأشخاص الهدوء الذي يجلبه هذا الفصل، فالبرد يجعلهم يشعرون بالتقوقع في أمان، وكأن الثلوج والرياح الباردة تغسل العالم من ضجيجه وتعيد الأمور إلى طبيعتها. تشير دراسة من جامعة إكستر إلى أن الأشخاص الذين يفضلون الشتاء يميلون إلى الانطواء قليلاً ويفضلون اللحظات التأملية والاسترخاء، حيث يجدون في الجو البارد فرصة للجلوس بهدوء مع أنفسهم أو مع كتاب جيد بجانب نار المدفأة.
الشتاء، أدبياً، هو وقت الانعكاس الداخلي. كما أن الأرض تلتحف بغطاء من الثلج، تتعمّق أرواحنا في تأملاتها الخاصة، باحثة عن دفء داخلي يغذيها. الشتاء هو الفصل الذي نحتضن فيه العائلة والأصدقاء عن قرب، حين تصبح الاجتماعات في البيوت أكثر دفئاً وألفة. هو ذلك الوقت الذي نجد فيه الراحة في الأشياء البسيطة، ككوب من الشوكولاتة الساخنة أو صوت المطر.
أما إذا عدنا إلى العلم، فنجد أن التفضيل لفصل معين قد يكون مرتبطاً أيضاً بالشخصية. وتقول الدكتورة جينيفر ويذر، أستاذة علم النفس في جامعة هارفارد، إن الأشخاص الاجتماعيين والذين يميلون إلى الأنشطة الخارجية غالباً ما يفضّلون الصيف، حيث يتاح لهم القيام بالأنشطة التي تتطلب الحركة والتفاعل الاجتماعي. أما الأشخاص الذين يحبون الهدوء والتفكير الداخلي فيميلون إلى تفضيل الشتاء، حيث يُتاح لهم الوقت والمساحة للانعزال والراحة.
ما علاقة النشاط البدني بالفصول؟
تُعرّف منظمة الصحة العالمية النشاط البدني بأنه ”أي حركة بدنية تنتجها عضلات الهيكل العظمي وتتطلب استهلاكاً للطاقة. ويشير النشاط البدني إلى جميع الحركات، بما في ذلك أثناء أوقات الفراغ، أو للتنقل من الأماكن وإليها، أو كجزء من عمل الشخص. وهو يعتبر الرياضات التي يمكن ممارستها على أي مستوى مثل: المشي، وركوب الدراجات، والترفيه النشط، والألعاب المختلفة.
يعد الخمول البدني مشكلة عالمية تولّد قلقاً متزايداً. فهو يساهم في انتشار السمنة، ويزيد من معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة، ويرتبط بتفاقم المرض، وزيادة الألم، وسوء نوعية الحياة المرتبطة بالصحة وسوء التشخيص، من بين نتائج صحية أخرى.
ويبدو أن الموسمية تؤثر على مستويات النشاط البدني وتفاقم بعض الأمراض والوفيات، فقد كشفت المناخات المعتدلة عن ارتفاع معدلات الوفيات في فصل الشتاء عن فصل الصيف. ومن المعروف أيضاً أن الموسمية تؤثر تأثيراً أكبر على كبار السن. وعلاوة على ذلك، يزداد خطر تفاقم الأمراض خلال فصل الشتاء لدى السكان المصابين بالأمراض. على سبيل المثال، يكون مرضى سرطان الرئة قبل الجراحة أقل نشاطاً بدنياً في فصل الشتاء، ما يؤثر على قدرتهم الوظيفية. وبالتالي، لا يمكن اعتبارهم مناسبين لبعض التدخلات الجراحية خلال أشهر الشتاء.
وبما أن البشر لا يستطيعون تعديل الظروف الجوية والموسمية بإرادتهم، فإن الاستجابة الأكثر ذكاءً هي فهم كيفية تأثيرها على النشاط البدني الأفضل للتكيف مع التأثير السلبي على مستويات النشاط البدني للسكان أو إيقافه. إن إدراك كيفية تأثير الظروف الجوية على النشاط البدني يمكن أن يساعد صانعي السياسات ومقدمي الرعاية الصحية على اعتماد توصيات للتخفيف من آثارها. وبالتالي، فإن جمع البيانات عن النشاط البدني وموسميته أمر بالغ الأهمية لأنه يوفر معلومات عن الاستراتيجيات والتدخلات التي يجب تعديلها خلال فصول السنة المختلفة لتجنب الخمول البدني.
في النهاية، سواء كنت من عشاق الصيف أو من محبّي الشتاء، فإن التفضيل لفصل معين يعكس جانباً من شخصيتك. فالصيف هو رمز للحيوية والانطلاق، بينما يمثّل الشتاء التأمل والسكينة، وكل فصل يحمل معه جماله الخاص وتحدياته، ويبقى الحب لكل منهما انعكاساً لطبيعة الروح وتفاعلها مع الطبيعة من حولها.