النهار

بحيرة "الدب" في رومانيا: علاجٌ بالملح والحرارة وقصص دراكولا التاريخية
جان-بيار حبيب
المصدر: "النهار العربي"
في بلدة "سوفاتا" (Sovata) المترامية في منطقة ترانسيلفانيا بوسط رومانيا، حيث تتعانق الغابات الخضراء وتتناغم مع نسمات الرياح العليلة، ترقد بحيرة الدب "لاكول أورسو" (Lacul Ursu)
بحيرة "الدب" في رومانيا: علاجٌ بالملح والحرارة وقصص دراكولا التاريخية
بحيرة الدب في وسط رومانيا
A+   A-
في بلدة "سوفاتا" (Sovata) المترامية في منطقة ترانسيلفانيا بوسط رومانيا، حيث تتعانق الغابات الخضراء وتتناغم مع نسمات الرياح العليلة، ترقد بحيرة الدب "لاكول أورسو" (Lacul Ursu) مثل طفل غاف في حضن أمه. فهذه البحيرة الفيروزية هي أكبر بحيرة حرارية شمسية (هيليوثرمية) في أوروبا، وهي أعجوبة طبيعية فريدة، حيث تتّحد المياه المالحة مع طاقة الشمس، لتولّد تجربة استحمام دافئة واستثنائية. لذلك، تجذب ببيئتها الطبيعية ومياهها العلاجية الزوار الذين يبحثون عن الاسترخاء والتجدد، مقدّمة مزيجاً مثالياً من الجمال الطبيعي والفوائد الصحية. 
 
 
قصة البحيرة!
إلى تلك البقعة الساحرة من رومانيا، وصلت في أواخر أيار (مايو) الماضي، لأتعرف من كثب على بلدة "سوفاتا" الجميلة وعلى بحيرة "الدب" التي عبرت شهرتها الآفاق بفضل منافعها الصحية المتنوعة. وكم سررت عندما سرد على مسامعي المرشد السياحي تاريخ البحيرة وكيفية تكوينها، إذ قال: "تكونت بحيرة الدب في عام 1875، نتيجة لانهيار منجم ملح، وامتلأت بعد ذلك بمياه الأمطار والجداول التي تنحدر من المنحدرات القريبة. وهي تعدّ اليوم أكبر بحيرة ملحية هيليوثرمية في القارة العجوز. تتخذ شكل جلد الدب، ومن هنا جاء اسمها. تتمادى على مساحة تقدّر بنحو 790 متراً مربعاً، وتبلغ نسبة ملوحة مياهها نحو 100 غرام في الليتر، وتزداد هذه النسبة أضعافاً مضاعفة في أعماقها". 
 
بحسبه، ربما تصل حرارة الماء إلى 43 درجة مئوية بسبب ظاهرة الحرارة الشمسية، وينساب الماء العذب إليها من جدولين صغيرين يشكّلان معاً طبقة بسماكة تتراوح بين 10 سنتيمترات و15 سنتيمتراً على سطح الماء المالح. وتعمل أشعة الشمس عند اختراقها هذه الطبقة على تسخين المياه المالحة الموجودة تحتها، حتى عمق المترين، فيما تكوّن طبقة المياه العذبة عازلاً حرارياً، ما يمنع المياه المالحة ذات الكثافة العالية من الصعود إلى السطح، وفقدان حرارتها عند ملامستها الهواء الأكثر برودة. 
 
ووجّه مرشدنا السياحي رسالة إلى جميع الوافدين إلى البحيرة، لعدم الاستحمام فيها أكثر من ساعة في المرّة الأولى، "فيمكن أن تسبب نسبة الأملاح العالية بارتفاع قليل في الضغط الدموي"، كما قال.
 
فوائد مياه البحيرة!
تحت ظلال أشجار "سوفاتا" العملاقة وأغصانها الورافة، سمعت الكثير من قصص الشفاء والتعافي جراء الاستحمام في "بحيرة الدب". فمياهها قادرة على علاج أمراض العقم في النساء، والروماتيزم، وأنواع مختلفة من الالتهابات. ولا بدّ هنا من القول إن مياه البحيرة تمنح النساء المقبلات على عمليات التلقيح الإصطناعي فرصاً أكثر لإنجاح عملية الإخصاب الاصطناعي. 
 
كذلك، علمت أن البحيرة تبدأ باستقبال روادها بين منتصف حزيران (يونيو) ومنتصف أيلول (سبتمبر) من كل عام. وفي أول يوم من افتتاحها، تتراوح درجة حرارة مياهها بين 40 و43 درجة مئوية، إلّا أن هذه الحرارة تبدأ بالانخفاض لتصل إلى 29 أو 30 درجة مئوية مع توافد الناس إليها. 
 
ترحّب بكم "بحيرة الدب" يومياً خلال فصل الصيف، من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساءً. ويجب الإشارة إلى أن البحيرة مقفلةٌ يومياً بين الواحدة والثالثة من بعد الظهر، كي تستريح وتحافظ على حرارة طبقات مياهها المتنوعة، للاستفادة من منافع الاستحمام فيها. 
 
 
أماكن الإقامة!
تسكن الرياح الهادئة شرفات فنادق "سوفاتا"، وتحمل معها أريج الصنوبر وأسرار البحيرات المالحة، حيث "بحيرة الدب" تبث دفء مياهها العجيبة، كأنها تهمس للأجساد المنهكة بقصص الشفاء والتجدد.
 
في فنادق البلدة المريحة، يجد الزوار أنفسهم في ضيافة أماكن ودودة، تتقاسم معهم لحظات البساطة والفرح، وتحديداً عند الوصول إلى فندق "سوفاتا" الذي يستقطب منذ عقود رواداً باحثين عن علاجات يقدّمها منتجعه الصحي، وفيه حوضان للعلاج بالمياه المالحة والدافئة، تصلهما مباشرة من "بحيرة الدب" المجاورة. 
 
هناك أيضاً حوض سباحة للعائلات، وآخر للأطفال كي يستمتع كل أفراد الأسرة بعطلة سعيدة. ولا يبخل فندق "سوفاتا" بتقديم 40 غرفة علاجية لضيوفه، بينها غرفة خاصة لضخ الجسم بالمياه المالحة، وغرفة أخرى للاستحمام بثاني أكسيد الكربون، و11 غرفة للعلاج بالطين الطبي، وغرفة للعلاج بالأكسيجين، وأخرى للاستنشاق. 
 
كما يزخر الفندق بباقة غنية من الخدمات الطبية والعلاجات المتنوعة التي يقدّمها فريق طبي متخصص وخبراء بارعون،كلٌّ في مجال تخصصه، للحصول على النتيجة المرجوة. 
 
 
 
لا تصل مياه "بحيرة الدب" المالحة إلى فندق "سوفاتا" وحده، بل تستكمل مجراها كي تستريح في حوض السباحة بفندق "أورسينا" (Ursina) المجاور. اسألوا أي شخص في ترانسيلفانيا عن أهم وأفخر فندق لديهم، فجواب الجميع واحد: فندق "براديت" (Bradet). إنه في الواقع أفضل فنادق المنطقة، والجوهرة اللامعة في بلدة "سوفاتا" من حيث تصميمه الرائع، وخدماته العالية الجودة، وقربه من "بحيرة الدب". وما يزيد من متعة الإقامة فيه هو أنه شهد في الآونة الأخيرة تحديثاً شاملاً طاول جميع غرفه وأجنحته الخمسة، ليصبح المقصد المفضل عند الوافدين إلى البلدة. 
 
يمكنكم الإقامة في فندق "براديت"، واستخدام ممر خاص يوصلكم إلى فندق "سوفاتا"، كي تنعموا بالعلاجات المتوفرة في منتجع "سوفاتا" الصحي. 
 
 
تعرفوا على هذه الأماكن!
كي تكلّلوا رحلتكم إلى "سوفاتا" بذكريات شيقة وممتعة، ندعوكم إلى زيارة المناطق القريبة منها، وتشمل زيارة منجم الملح في قرية "برايد" (Praid). يُقال إن هذا المنجم يحتوي على نحو 3 مليارات طن من الملح، لذلك يتصدّر قائمة أكبر مناجم الملح في البلاد. كل زاوية فيه تحدثكم عن عصور مضت، وعن أيادي العمل الشاق التي حفرت وصنعت من الملح قصوراً تحت الأرض، تتلألأ ممراتها بنقاء الملح المضيء، فتعكس قصصاً حافلة بالصبر والجمال. 
 
من قصر الملح الأبيض، يطيب التعريج إلى قرية "كوروند" (Corund) البارعة في إنتاج الفخار الروماني التقليدي. في هذا المكان، تشهدون عملية مزج الطين بالماء لصنع الفخار، ولينبض كل إناء بقصص الريف الروماني وعبق الماضي. 
 
كانت محطتي الرومانية الأخيرة في قرية "سيغيشوارا" (Sighisoara) حيث تجثم قلعتها الشهيرة التي تحمل اسمها. وليست هذه القلعة مجرد حجارة صامتة، بل هي كائن حي يتنفس وينبض بالحياة، ويحتضن زواره بحنان. 
 
يخطو كل زائر خطواته الأولى داخل أسوارها، فيشعر بأنه جزء من هذه الحكاية العريقة، وكأنه يعود بالزمن إلى عصور الفروسية والنبل. في ربوع "سيغيشوارا"، يُخبركم كثيرون بأن هذه القرية هي مسقط رأس "دراكولا"، لذا يمكنكم العثور على المنزل الذي يُعتقد أنه ولد فيه. في ساحة القلعة، يقف بيت "دراكولا" اليوم كمتحف ومطعم. توجد عند مدخله لافتة حديدية على شكل تنين - رمز "دراكولا" - لتدعوكم إلى الداخل لمعايشة هذه الشخصية التي جمعت بين جوانب تاريخية حقيقية لـ "فلاد تيبيس" (Vlad Tepes) الذي كان حاكماً لوحدات من الأراضي الرومانية، والذي اشتهر بوحشيته وأساليبه القاسية في التعامل مع العدو، وبين رواية "دراكولا" التي أصدرها الكاتب الإيرلندي برام ستوكر في عام 1897، وبرع فيها بتصوير "دراكولا" مصاصاً للدماء يعيش في قلعته في ترانسيلفانيا، ويتمتع بقوى خارقة للطبيعة. هكذا انتشرت أسطورة "دراكولا" التي صارت اليوم رمزاً للرعب في الأدب والسينما والثقافة الشعبية. وهكذا، تبقى منطقة ترانسيلفانيا وجهة سياحية مثيرة يطيب استكشافها لعيش حكايات "دراكولا" المرعبة التي تتشابك مع دفء الضيافة الرومانية الأصيلة التي تلمسونها حتماً أينما حللتم! 
 
 
 
سجّلوا في مفكرتكم!
- تقع بلدة "سوفاتا" (Sovata) في إقليم "موريش" (Mureș) الراقد في منطقة "ترانسيلفانيا" (Transylvania) في الجزء الأوسط من رومانيا
- تشتهر "سوفاتا" ببحيراتها المالحة والعلاجية، خصوصاً "بحيرة الدب" التي تعدّ أكبر بحيرة ملحية في أوروبا، وهي فريدة من نوعها بسبب مزجها المياه المالحة والعذبة. 
- تبعد "سوفاتا" عن العاصمة الرومانية بوخارست أكثر من 5 ساعات بالسيارة.
- الرومانية هي لغة البلاد الرسمية، وتتكلم أغلبية العاملين في قطاع السياحة والخدمات الإنكليزية.
- انضمت رومانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007، وأصبحت عضواً في معاهدة تأشيرة "شينغن" منذ أكثر من شهر.
- العملة المتداولة في رومانيا هي الليه أو الرون الروماني Romanian Leu (RON). يساوي كل 100 رون روماني نحو 20 يورو. يمكنكم استخدام اليورو في بعض الفنادق الفخمة والمنتجعات السياحية.
- تشرف مجموعة "إنسانا" (Ensana) على "بحيرة الدب"، وعلى ثلاثة فنادق محيطة بها. بإمكانكم الحصول على جميع المعلومات المطلوبة بشأن برامج الاستشفاء وكيفية إتمام الحجوزات في الفنادق من خلال الرابط: https://ensanahotels.com/en/destinations/romania
 

اقرأ في النهار Premium