النهار

في كل مدينة مغامرة ومذاق!
نانسي فضّول
المصدر: النهار العربي
​لست ممن يخطّطون لكل تفاصيل السفر. لكن، عندما يتعلّق الأمر بالطعام، الأمر مختلف.
في كل مدينة مغامرة ومذاق!
أطباق من حول العالم
A+   A-
حين يتعلّق الأمر بالسفر، لا تكون التجربة مكتملة من دون "انغماس بالأصابع الخمس" في نكهات المكان. فبعيداً عن الوطن، الطعام ليس وسيلة لإشباع الجوع فحسب، بل بوابة لاكتشاف ثقافة البلد والتعرف على أدق تفاصيل تقاليده.
 
وسواء أكلت في مطعم صغير، أو تناولت لقمةً طيبة وقوفاً على قارعة الطريق، أو غرقت في أريكة وثيرة في مطعم فخم، لكل نكهة على اللسان قصة مكان وناس. 
 
لست ممن يخطّطون لكل تفاصيل السفر. لكن، عندما يتعلّق الأمر بالطعام، الأمر مختلف. فأنا لا أتجاهل رغبتي في استكشاف مطاعم جديدة، خصوصاً تلك التي يوصي بها مواطنو البلد، أو تلك التي تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي... فأجد نفسي دائماً في بحث دقيق عن "أفضل المطاعم" في أي مدينة أزورها.
 
جواهر مكنونة
يسمونها "هِدِن جِمز"، أو جواهر مكنونة. بالضبط. في جولة لي بين المدن الأوروبية، انطلقت من باريس حيث يتدفق السياح على مطاعمها الراقية في جادة الشانزليزيه. سمعت عنها كثيراً، لكنني شعرت بأن شيئاً ما كان ينقص تلك الأماكن البرّاقة. قرّرت الابتعاد عن المراكز السياحية، فقادتني رحلتي إلى شارع جانبي ضيق في حي لو ماريه (Le Marais). هناك، وجدت مطعماً صغيراً يقدم أطباقاً تقليدية بأسعار معقولة، ويعجّ بالمواطنين.
 
كانت الوجبة بسيطة: خبز فرنسي طازج، وطبق من التارتار مع طبق من لحم البقر المطهو ببطء مع البطاطا، وحلوى "ماكارون" الشهية. لكن، ما ميّز هذه التجربة هو الجو الدافئ والهادئ بعيداً عن صخب المدينة. صحيح.. فالمطاعم المحلية البسيطة مكان مثالي لتذوق "الثقافة" الحقيقية لأي مدينة. فيها، كما يحلو لي أن أقول، "جواهر مكنونة" للمدينة وناسها.
 
 
في هذه "الجواهر"، تعلّمت درساً صعباً. كنت في مدينة البندقية، والحماسة تغمرني لتجربة المطبخ الإيطالي العريق. لكنني أخطأت في اختيار مطعم يقع مباشرة على "الغراند كانال". كانت الإطلالة مذهلة، لكن الطعام الغالي الثمن فلم يكن مذهلاً أبداً، وأظن أن هذا كان واضحاً في سمات وجهي.
 
اكتشفت لاحقاً أن العديد من المطاعم السياحية تطمح إلى جذب الزوار بموقعها وليس بجودة مذاقاتها. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت أتجنّب المطاعم التي تركّز على تقديم تجربة "خارجية" مبهرة، وأفضّل التوجه نحو الأماكن الأقل شهرة.
 
 
دلّني أرجوك!
تابعت رحلتي إلى برشلونة، وكنت متشوّقة لتذوق المأكولات الإسبانية الشهيرة. بحثت افتراضياً عن "أفضل مطاعم التاباس". كان ذلك مفيداً، لكنني اكتشفت سريعاً أن الكثير من هذه القوائم تستهدف السياح وحدهم، ما يعني "أسعاراً مرتفعة وأجواءً غير شخصية".
 
بدأت حينها بتغيير استراتيجيتي. فبدلاً من الاعتماد على قوائم الإنترنت وحدها، بدأت أسأل من ألتقيهم من المواطنين: "أرجوك، أين أتناول أفضل طبق تاباس؟"... وهكذا. فدلّني بائع عجوز على مطعمه المفضل، وهو صغير بعيد عن مناطق الجذب السياحية. وفعلاً، كانت تجربة لا تُنسى: أطباق تاباس بسيطة، لكنها حافلة بالنكهة، ودفء تعامل الناس هناك عكس روح المدينة الحقيقية.
 
 
 
وفي كثير من الأحيان، تكون الأسواق المحلية هي الحلّ الأمثل لاكتشاف الطعام الحقيقي في البلد. فهذه الأسواق ليست مكاناً لشراء الطعام، بل مكان لتجربة مباشرة مع الطهاة وهم يعملون، ولتذوق ما يصنعون، طازجاً ساخناً. في برشلونة، زرت سوقاً محلية كانت تعج بالحياة، وتناولت سمكاً وقوفاً وسط السوق، محضراً بطريقة تقليدية، فربما كان أشهى سمك تذوقته في حياتي.

كثير من الودّ
في محطّتي الأخيرة، روما، رافقت صديقتي الإيطالية إلى مطعم صغير لم يغزُه السياح بعد. كنت الوحيدة التي لا تتحدث الإيطالية، فأغدق علي الطاهي والنادل الكثير من الودّ. وفي غياب قائمة طعام بالإنكليزية، اخترت طبق "كاربونارا" بناءً على نصيحة صديقتي. وكانت تلك الوجبة مغامرة في ذاتها، فالنكهات أصيلة من مكوّنات محلّية شهية. 
 
 
مساءً، في زقاق ضيق بإحدى حارات روما القديمة، وبين رائحة التاريخ التي تفوح من كل حجر، توقفنا أمام متجر صغير للمثلجات. لم يكن المكان مبهراً من الخارج، لكنه كان يعيش نبض المدينة. كان الفستق مع الفانيليا لذيذاً جداً، في مخروط مخبوز للتو. كانت رحلةً في عالم من النكهات الإيطالية الأصلية.

اختيار المطاعم في السفر فن يتطلّب القليل من البحث، والكثير من الانفتاح على التجارب الجديدة، والكثير الكثير من الثقة بالحس الشخصي والاندماج مع مواطني البلاد. حينها، يصبح السفر حياةً أخرى، محفوفة بمغامرة تذوّق لا تُنسى.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium