مع تطور التكنولوجيا وغزو الذكاء الاصطناعي حياتنا من كل جانب، صار حجز الرحلات والسفر تجربة ولا أسهل! لكن مع كل هذه التسهيلات، يبقى السؤال: هل يمكن الذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل الخبرة البشرية في هذا المجال؟
حين قرّرنا التوجّه استوائياً في عطلتنا الصيفية، وقع اختيارنا العائلي على جزيرة بالي. لم أقصد مكتباً للسياحة والسفر، وما أكثرها... بل قرّرت تجربة حجز الرحلة بكاملها عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأنا مستلقية على الأريكة.
كانت العملية غاية في السهولة: بكبسة زر، ظهرت أمامي عشرات "بوتات" الدردشة لمساعدتي في رحلتي إلى بالي. انتقيت أحدها، وأدخلت وجهتي وتفضيلاتي وعدد الأشخاص والنشاطات التي نرغب بتجربتها، وسقف ميزانيتنا. وفي ثوانٍ، قدّم لي مجموعة واسعة من الخيارات، بدءًا من شركات الطيران الاقتصادية وحتى الرحلات الأكثر رفاهية. ثم دلّني إلى فنادق ومنتجعات تلائمني عائلياً ومالياً، وعرض عليّ مجموعة من النشاطات الترفيهية، منها مشاهدة دلافين وفيلة وغيرها... وما كان عليّ إلّا أن أوافق على مسار الرحلة كلها، لنحزم حقائبنا ونسافر.
ذكية ولكن!
على الرغم من التحولات الهائلة التي شهدها قطاع السفر والسياحة، فإن هذا التطور التكنولوجي لا يخلو من التحدّيات. سرعان ما بدأت ألاحظ الجوانب السلبية في هذه التجربة الرقمية. فعندما ساورتني أسئلة حول خيارات الطعام في الفندق والمواصلات في البلد أو إمكانية تعديل مواعيد بعض الأنشطة، وجدت نفسي أمام دعم آلي يجيب عن استفساراتي بإجابات عامة، بلا تفاصيل.
ما كنت أحتاج إليه هو نصيحة شخصية من وكيل سفر اعتدت التعامل معه سابقاً، إذ كان يقدّم لي النصائح والاقتراحات بناءً على خبرة طويلة في هذا المجال، وعلى تفضيلات المسافرين قبلي.
وهكذا، على الرغم من الفوائد الهائلة التي يقدّمها الذكاء الاصطناعي، قد لا يتمكن جميع المسافرين من الاستفادة منها بشكل متساوٍ. فثمة وجهات نائية ومجتمعات لا تمتلك بنية تحتية تقنية متقدّمة، لذا صعب أن يطالها الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال.
وعلى الرغم من ذكائه الاصطناعي في جمع المعلومات ومعالجة البيانات، فإنه يفشل في التعامل مع التعقيدات التي قد تواجه مسافرًا في الواقع. إنه جيد في تسهيل الأمور، لكنه في النهاية، يفتقر إلى القدرة على التفاعل مع تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة التي تهمّني وتهمّ عائلتي.
نقلة نوعية... إلى حدّ ما
لا شك في أنه نقلة نوعية في صناعة السفر، حيث يوفّر فوائد كبيرة للمسافرين والشركات على حدّ سواء، من خلال التخصيص وتحسين الخدمات وزيادة الكفاءة، مثل نظام "شنغن" البيومتري الذي يهدف إلى تعزيز أمن الحدود وعمليات السفر داخل منطقة "شنغن"، ويعتمد على استخدام بصمات الأصابع وصور الوجه للتحقق من هوية المسافرين بدقة أعلى. لكنه يواجه العديد من التحدّيات المتعلقة بالخصوصية والاعتماد المفرط على التكنولوجيا، والتفاعل الاجتماعي، والتي تبقى قضايا تحتاج إلى معالجة. فمستقبل السفر مع الذكاء الاصطناعي يعِد بإمكانيات هائلة، لكن الاستفادة المثلى منه تتطلّب موازنة دقيقة بين التكنولوجيا والعامل الإنساني.
ومع الاعتماد المتزايد لشركات السفر على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، تُطرح تساؤلات جدّية بشأن أمان وخصوصية معلومات المسافرين الشخصية، في عصر تزداد فيه عمليات القرصنة الإلكترونية.
ومع التحوّل الكبير نحو التشغيل الآلي، ربما يواجه المسافرون تحدّيات في حالة حدوث أعطال تقنية. فالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان اللمسة البشرية الضرورية في حالات الطوارئ، أو في معالجة مشكلات غير تقليدية... فمن ينسى مأساة "الشاشة الزرقاء"؟