النهار

النهار

السياحة التطوعيّة... تحدّيات مجدية وفهم أعمق للحياة
نانسي فضّول
نانسي فضّول 20-09-2024 | 14:19

المصدر: النهار العربي
رغم صعوبة التحديات التي قد تواجه المتطوعين، فإن التجربة مجزية جداً. لكن، ضروري أن يتمّ السفر التطوعي بشكل مسؤول ومستدام.
السياحة التطوعيّة... تحدّيات مجدية وفهم أعمق للحياة
السياحة التطوعية
A+   A-
في عالم يتسابق فيه الجميع لاستكشاف أماكن جديدة وتجارب مثيرة، تبرز السياحة التطوعية تجربة مغايرة تفتح آفاقاً جديدة. لا تقتصر هذه السياحة على زيارة المعالم السياحية أو الاستمتاع بشواطئ خلابة، بل تتعمق في خدمة الآخرين واستكشاف الذات عبر هذه العملية. هنا، لا يكون السفر وسيلة للهرب من الروتين، بل يكون مساراً للمغامرة والعطاء في آن واحد.
 
كل شيء يبدأ برغبة قوية في التغيير في البحث عن تجربة تمنح الحياة معنى جديداً. ربما يسمع المرء عن تجارب أناس عادوا من رحلاتهم إلى أماكن نائية محمّلين بذكريات جميلة... لكن الأهم هو تلك القصص الإنسانية التي ينقلونها عن مساهمات تركت أثراً في حياتهم وفي نفوس من قابلوهم. 
 
ويتساءل الكثيرون: كيف يمكن المزج بين السفر والمساعدة؟ ويأتي الجواب عبر منظمات تسهّل هذه الرحلات، سواء بتعليم الأطفال في القرى النائية، أو المساهمة في بناء مجتمعات تضررت من الكوارث الطبيعية، أو حتى في الحفاظ على البيئة وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض. 
 
تحدّيات غير سهلة
لكن الأمر ليس سهلاً كما قد يبدو. فالسفر التطوعي يتطلّب تقبل تحديات قد تكون جديدة أو صعبة. فتجربة التطوع في النيبال تقدم مثالاً حياً على ما يمكن أن يقدمه السفر التطوعي. في عام 2019، قررت مجموعة من الأصدقاء الانضمام إلى برنامج تطوعي لبناء مدرسة في إحدى القرى الجبلية هناك. في العاصمة كاتماندو، استقبلتهم شوارع المدينة المكتظة بالناس والألوان الزاهية. وبعد أيام، بدأت الرحلة الحقيقية إلى القرية الجبلية النائية. مشوا ساعات في طرق وعرة ومرتفعات جبلية حتى وصلوا قرية بسيطة في حضن الهيمالايا، بدت لهم مقطوعة عن الزمن: بيوت طين وحجارة، شوارع ضيقة... لكن تهيمن عليها الروح الأصيلة.
 
لقد تطوعوا لبناء مدرسة للأطفال، وهذه مهمة صعبة نظراً لندرة الموارد المطلوبة. كان على المجموعة أن تعتمد الأدوات البدائية والعمل اليدوي، ما جعل المهمة شبه مستحيلة في البداية. فكان على التعاون والإصرار أن يؤديا دورهما في ذلك.
 
كان الأطفال يأتون يومياً بوجوه مشرقة وابتسامات بريئة، يشاهدون المتطوّعين منكبين على عملهم، فيمدون لهم يد العون. تركت تلك اللحظات أثراً عميقاً في نفوس المتطوعين، فالأطفال لا يعرفون إلا البساطة، ومع ذلك كانوا مليئين بالسعادة. هذا التفاعل اليومي جعل المجموعة تدرك أن التطوع ليس تقديم المساعدة العملية، بل بناء علاقات إنسانية تُثري النفوس وتعيد للأشياء قيمتها الحقيقية.
 
 
سعادة بلا موارد
ثقافياً، أتاحت تجربة العيش مع سكان القرية وتناول طعامهم التقليدي مثل "الدار بات" والشاي النيبالي المتبل للمجموعة فرصة التعرف على عادات وتقاليد مختلفة تماماً. وعلى الرغم من أن حاجز اللغة شكل تحدياً أمام التواصل، فإن لغة الابتسامات والتفاهم كانت كافية.
 
علّم العيش في النيبال المتطوعين كيف يمكن الإنسان أن يعيش سعيداً رغم قلة الموارد: لا كهرباء ولا مياه جارية، لكن ثمة الكثير من القناعة، ما جعل المجموعة تتأمل في الفجوة بين متطلّبات الحياة الحديثة والاحتياجات الأساسية لحياة سعيدة.
 
مرّ أسبوعان، وشارف بناء المدرسة على مراحله النهائية، وأصبحت المجموعة جزءاً من المجتمع المحلي. كان الوداع مؤثراً، بعدما نشأت روابط إنسانية قوية رغم قصر مدة الإقامة، وغادرت المجموعة النيبال محملة بذكريات لا تُنسى، ودروس قيمة في التواضع والصبر، ومعرفة أن السعادة لا تكمن في ما نملك، بل في من نكون ومع من نعيش.
 
رغم صعوبة التحديات التي قد تواجه المتطوعين، فإن التجربة مجزية جداً. فإلى جانب تقديم العون، يُتاح للمتطوع تعلم ثقافات جديدة والتفاعل مع مجتمعات لم يتخيل يوماً أنه سيكون جزءاً منها. فالأمر يتعدّى تقديم المساعدة إلى تلقّن دروس في القيم والعادات المحلية التي تساهم في بناء المجتمعات.
 
فهم أعمق للحياة
لا يقتصر التعلّم من هذه التجارب على اكتساب مهارات جديدة، بل يتسع ليشمل فهماً أعمق للحياة والبشر. متطوع آخر في الأمازون تحدث عن تعلمه أهمية الحفاظ على البيئة بغرس الأشجار واستعادة الثروة الحرجية. في البداية، شعر بالضياع، لكن سرعان ما وجد نفسه جزءاً من الفريق، حيث تعلم أن الطبيعة والإنسان يجب أن يعيشا في تناغم. فالكثير من المتطوعين يعودون إلى حياتهم اليومية بإحساس بالتواضع والامتنان، ويدركون أن السعادة ليست في الكماليات، بل في العلاقات الإنسانية والتجارب التي يعيشونها مع الآخرين.
 
ضروري أن يتمّ السفر التطوعي بشكل مسؤول ومستدام. ليس الهدف تقديم حلول موقتة، أو فرض أيديولوجيات خارجية، بل دعم المجتمعات المحلية، وتمكينها من الاستمرار في بناء مستقبلها بعد مغادرة المتطوعين. ثمة انتقادات توجه إلى البرامج التطوعية التي قد تخلق اعتماداً طويل الأمد على المتطوعين، ما يجعل اختيار المشروع الملائم، الذي يعمل بتعاون وثيق مع السكان المحليين، أمراً بالغ الأهمية.
 
إن فكرتم في خوض تجربة السفر التطوعي، فالخطوة الأولى هي اختيار المنظمة أو المشروع الذي يتلاءم مع قيَمكم واهتماماتكم. وهناك فرص واسعة في مجالات التعليم والصحة وحماية البيئة... وغيرها. لكن، قبل أن تبدأوا، تأكّدوا من أنكم مستعدّون لتحمل المسؤولية والعمل في ظروف قد لا تكون دائماً مثالية.
 
الكلمات الدالة
إعلان

الأكثر قراءة

10/3/2024 7:34:00 PM
مصر بدأت سياسة تنويع مصادر تسليحها منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2023 كانت في قائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم
9/30/2024 11:12:00 PM
الكاتب في "نيويورك تايمز" الحائز على 3 جوائز "بوليتزر" يبدي يقيناً بنظرية الاختراق البشري للنظام الايراني ولـ"حزب الله"، الأمر الذي سهّل عملية الانقضاض التي حصلت. ويرى أن طهران مرتبكة وتشهد انقساماً بشأن سيناريو الرد المحتمل.