شكلت لحظة تنصيب الرئيس السنغالي المنتخب باسيرو ديوماي فاي بديامينياديو قرب العاصمة دكار، مناسبة للتذكير بالطابع الاستثنائي للعلاقات المغربية - السنغالية التي تتجاوز الجوانب السياسية والدبلوماسية، إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تحضر الجوانب الثقافية والدينية ممثلة في الزاوية التيجانية بقوة، أسس لعلاقات ثنائية مثالية ونموذجية على مستوى القارة الأفريقية ككل. فقد عبر البلدان على مدى عقود، سواء من خلال علاقاتهما الثنائية أو المتعددة الأطراف، عن التزامهما بالوحدة الأفريقية وأهمية التعاون جنوب جنوب والتضامن بين دول القارة.
الطابع الاستثنائي للعلاقات بين الرباط ودكار تمثل في فرادة الدعوة التي وجهت للعاهل المغربي لحضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب، وهي دعوة استثنائية، ذلك أن السلطات السنغالية اختارت أن يقتصر حضور الحفل على زعماء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومؤسسات الاتحاد الأفريقي ممثلة في الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، وموسى فقي رئيس المفوضية الأفريقية. وبذلك يكون المغرب البلد الوحيد من خارج المنطقة الذي تمت دعوته لمراسم التنصيب، وقد حضر باسمه ممثلاً للعاهل المغربي، رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش مرفوقاً بوزير الخارجية ناصر بوريطة، وكان المسؤولان المغربيان من أوائل المسؤولين الأجانب الذين استقبلهم الرئيس السنغالي الجديد على هامش حفل التنصيب.
العاهل المغربي أكد في برقية التهنئة التي وجهها للرئيس السنغالي المنتخب أن ما يربط بين شعبي البلدين، من وحدة مصير وقيم مشتركة، يستند إلى رصيد ثقافي وروحي متين، ليشكل ركناً ثابتاً في العلاقات الثنائية، مع تقدير العاهل المغربي للعمق التاريخي الذي يطبع تلك الأواصر المتينة القائمة على الأخوة والتضامن والتقدير المتبادل، مؤكداً أن الروابط المتميزة التي تجمع بين المغرب والسنغال تعد إرثاً قيماً ما فتئ البلدان الشقيقان يحرصان على صونه والحفاظ عليه.
انتخاب المعارض السابق باسيرو ديوماي فاي، حمل مخاوف لدى بعض المتتبعين للعلاقات المغربية السنغالية، بحيث كانت هناك تساؤلات عن كيفية تعاطي القيادة الجديدة في دكار مع حليف استراتيجي كالمغرب، خاصة في ظل ما عرفته بعض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من اضطرابات سياسية في السنوات الأخيرة، وما حملته تلك الاضطرابات من تغييرات جوهرية على مستوى العلاقات الخارجية مثل المواقف التي عبرت عنها القيادات العسكرية الجديدة في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر من الوجود الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء، أو تلك التي اتخذتها مالي اتجاه الجزائر بعد إلغاء مسار الجزائر المتعلق بالجماعات الانفصالية في شمال مالي، بالإضافة إلى تعزيز الدور الروسي في المنطقة. البعض كان يعتقد أن كلاً من دكار والرباط يؤسسان علاقاتهما الثنائية، فقط، على جودة العلاقات الشخصية بين قائدي البلدين، بينما حرص المغرب دائماً على أن يكون بعيداً عن الشؤون الداخلية للسنغال، في مقابل الحرص المستمر على أن دكار ستجد في كل مناسبة الدعم والسند من المغرب، بغض النظر عمن في السلطة، ونجح المغرب والسنغال دوماً في عبور المراحل الانتقالية وانعكاسها على العلاقات الثنائية. نجح ذلك عند الانتقال من الزعيم ليوبولد سنغور إلى عبده ضيوف ومنه إلى معارضه عبد الله واد، وكذلك كان بين هذا الأخير ومعارضه ماكي سال وهو ما يتكرر اليوم عند الانتقال من الرئيس سال إلى الرئيس باسيرو.
نجحت السنغال منذ استقلالها في أن تمثل تجربة ديموقراطية استثنائية ضمن الأنظمة الرئاسية في أفريقيا، ففي الوقت الذي شكلت الانقلابات العسكرية الأسلوب الوحيد للتغيير في هرم السلطة وإقصاء الأقليات، سواء لأسباب دينية أو عرقية أو ثقافية أو لغوية، مثلت السنغال حالة استثنائية منذ أن تم تنصيب الأديب والشاعر ليوبولد سيدار سينغور المسيحي على رأس دولة 90 بالمئة من سكانها من المسلمين، واستمرت في طابعها الاستثنائي عندما رسخت للتغيير والتجديد عبر صناديق الاقتراع التي دأب كل المتنافسين على احترام نتائجها رغم حجم التغيير الذي تحدثه، وآخرهم الرئيس ماكي سال، بحيث إن السنغال نجحت على مدى تاريخها المعاصر في الانتصار على أزمة الدولة الوطنية في أفريقيا، التي تعد أحد الأعطاب الكبرى في القارة السمراء ما بعد موجة الاستقلال وما يطرحه ذلك من قضايا ترتبط بالسيادة والهوية الثقافية وعدم تطابق الحدود السياسية مع التوزيع الإثني في ظل سيادة شعار ضرورة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهي حدود قسمت مجموعات إثنية وقبلية ودينية عوض أن تكون عامل غنى ووحدة، شكلت على الدوام حطباً لعدم الاستقرار الداخلي وللصراعات الحدودية بين الدول. فهل تنجح العلاقات المغربية السنغالية في الاستمرار وفي تحدي واقع الصراع في القارة الأفريقية؟