رغم ضجيج تنظيم "الإخوان" الإرهابي وتحريض المنصات الإعلامية المتحالفة معه، والتسخين الذي تمارسه مواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية تبث من خارج مصر، يتعامل المصريون مع معضلات الإصلاح الاقتصادي بهدوء، ومرت عملية رفع أسعار المحروقات من دون ردود فعل عاصفة، إلا من بعض السخرية والتهكم، ما زاد "الإخوان" غضباً وقهراً وغيرة! فذلك التنظيم ظل على مدى سنوات يسعى بكل الطرق إلى هدم مصر على من فيها، والثأر من الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتباره أطاح آمال "الإخوان" وطموحاتهم في الانطلاق من مصر إلى حكم باقي الدول العربية، وتحريض المواطنين بعد كل رفع لسعر سلعة أو خدمة، لعل الفوضى تعود مجدداً فتهيئ المناخ لانقضاض جديد على السلطة.
بدأ السيسي ولاية جديدة وتعهد مواصلة خطوات الإصلاح والبناء، وفشلت كل المحاولات وانهارت المخططات والمؤامرات وصار "الإخوان" خارج نطاق المعارضة أيضاً، وما زالت الجماعة وكل الجهات الداعمة لها تتسول أزمة أو مصيبة أو حتى بعد كارثة أمطار وسيول أو حادثة قطار لعل الحكم ينهار، من دون جدوى!!
يبدو الرئيس المصري في موقف قوي للغاية في بداية ولايته الجديدة، وهو مصر تماماً على تنفيذ خطته للإصلاح بغضّ النظر عن مؤامرات "أهل الشر"، أو حتى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، وعلى الأرجح فإن الرجل مقتنع بأن شعبيته تحصنت ضد المخربين، كما أن شعبه تحصن ضد كوارث الربيع العربي وخرابه.
أقرت مصر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي بدأ تنفيذه في عام 2015 بالتقليص التدريجي لدعم المحروقات والكهرباء والمياه، وهو إجراء يمضي فيه السيسي بثبات من دون تردد ولا تأجيل، رغم المخاوف من تفجر غضب جماهيري أو المخاطر من تفاعل الأزمات المعيشية للناس. وفي ذروة تأثر السوق بقرارات الإصلاح الاقتصادي المتتالية والموجعة، وتحذيرات، حتى بعض مؤيدي السيسي أنفسهم، من ارتفاع وتيرة غضب الناس أظهر الرجل إصراراً بالغاً بلا تراجع ومضى في تطبيق إجراءات الإصلاح، ففي الشهر الماضي اتخذت الحكومة قراراً مصيرياً بتحرير جديد لسعر صرف العملات الأجنبية، ما أفقد الجنيه المصري قدراً آخر من قيمته، لكن القرار حافظ على ما تبقى من الاحتياطي النقدي الذي كان قد انهار في أعقاب أحداث 25 كانون الثاني (يناير) من عام 2011، وبعدها الأزمات الاقتصادية الطاحنة، خصوصاً أنه أتى بعد تدفقات دولارية صبت في الموازنة العامة بفعل مشروع رأس الحكمة والاتفاق مع صندوق النقد والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وكان النظام الضريبي المصري قد شهد أيضاً تغييرات جذرية بإقرار ضريبة القيمة المضافة في آب (أغسطس) 2016 رغم اعتراض قطاع لا بأس به من سوق العمل وقتها، لكن الحُكم رأى أن إجراءات الإصلاح يجب أن تسير في مختلف شرايين الاقتصاد الوطني وقطاعاته كي تؤتي ثمارها، ما كان له أثر كبير في زيادة الحصيلة الضريبية ومنع التهرب ورفع حصيلة الدولة من الأموال.
وفيما الظروف المحلية والأوضاع الإقليمية تدفع في اتجاه زيادة التحديات أمام الرئيس الذي أدى أخيراً اليمين القانونية للولاية الجديدة، إلا أن السيسي أكد في خطاب تنصيبه أنه لن يؤجل عملاً أو يسوّف أمراً، ولن يخشى مواجهة أو اقتحاماً لمشكلة أو تحد في ولايته الثانية، وهو كان أكد مراراً أنه لا ينظر إلى مدى تأثر شعبيته باتخاذ تلك القرارات الضرورية لإصلاح الاقتصاد.
ومنذ ثار الشعب المصري ضد حكم "الإخوان" وخلع محمد مرسي لم يتغير سلوك الجماعة لإفساد حكم أي رئيس يأتي بعده، وتدمير كل سلطة ستحكم مصر بعد إسقاط نظام "الإخوان"، واختلقت الأساليب ما بين تسخين دائم ومستمر للشارع، ودعم عمليات الإرهاب في سيناء وغيرها من المدن المصرية وتبريرها، والاعتداء على المنشآت العامة وكل مؤسسات الدولة، واستهداف كل داعم للسيسي وكل من عارض حكم الجماعة وحرقه إعلامياً وسياسياً باستغلال الإعلام "الإخوانجي"، خصوصاً القنوات التي تبث من دول تساند الجماعة.
ومعروف عن الكائن "الإخواني" أن تكوينه الفكري والعقائدي يقوم على مبدأ السمع والطاعة مهما كان الأمر الصادر له منافياً للعقل أو المنطق! إنه يصحو من نومه ويبدأ يومه بالتعرف إلى التعليمات والأوامر الصادرة من القادة لتنفيذها لتكون طريقه إلى الجنة. هناك بالطبع تصرفات أصبحت جزءاً من حياة الكائن "الإخواني" وسلوكه اليومي كالدعاء على السيسي وأعوانه، وإشاعة الإحباط والترويج لليأس بين الناس، والسخرية من كل إنجاز، وبث معلومات وأخبار كاذبة عن إفلاس تعانيه البلاد، والضجر الذي يسيطر على الشعب، والندم الذي يشعر به المصريون لإطاحتهم "الإخوان"!!
لكن المتغيرات والتطورات تدفع قادة الجماعة إلى تطوير الهجوم مع كل حدث جديد، ولأن كثيراً من "الإخوان" يقضون فترات طويلة من النهار أو الليل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ويعيشون عالماً إلكترونياً خاصاً بهم يلهيهم عن الواقع ويجعلهم لا يرون رفض الشعب المصري لهم، فإن كل كائن "إخواني" يستغل عشرات الحسابات الإلكترونية التي يدخل بها إلى تلك المواقع ليعلق على كل حدث في مصر، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالسيسي.
اللافت أن السيسي لم يتراجع عن أي قرار أو يطالب الحكومة بالتراجع عن رفع سعر سلعة أو خدمة ما، رغم ارتفاع حدة الغضب أحياناً والهجوم في أحيان أخرى والشكوى دائماً، وهو دائماً يبدي تقديره لصمود شعبه في معركة الإصلاح، بينما يعيش "الإخوان" والجهات الداعمة لهم، وكذلك بعض النشطاء ممن امتطاهم التنظيم الإرهابي وهماً كبيراً ويتصورون أن سيناريو عام 2011 يمكن أن يتكرر، وهم روّجوا لمشاهد تضمنت هتافات بذيئة في تظاهرة جرت على سلالم نقابة الصحافيين، واعتبروها عاكسة لغضب الشعب المصري رغم أن المشاركين فيها لم يتجاوزوا العشرات من بين أكثر من مئة مليون مصري، ولا يصدقون أن ذلك أمر مستحيل تماماً، ولذلك فهم يفشلون في كل مرة ولا يجدون استجابة من الشعب الذي يتألم ويعارض ويغضب ويسخر من رفع أسعار السلع والخدمات لكنه لا يقبل أن يعود "الإخوان" إلى الحكم... أو حتى المعارضة!