لم تنظر واشنطن بعين الارتياح لزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بكين الإثنين والثلثاء الماضيين. وسارع مساعد وزير الخارجية الأميركي كرت كامبل الأربعاء، إلى القول إن الولايات المتحدة ستحمّل الصين المسؤولية، في حال عمدت روسيا إلى هجوم واسع جديد في أوكرانيا بهدف تحقيق مكاسب ميدانية.
كلام كامبل أتى تتمة لتحذيرين صدرا عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، من مغبة مواصلة ما وصفاه بدعم بكين قاعدة الصناعة العسكرية الروسية.
ما يتعين الإشارة إليه هو أن التعاون الروسي- الصيني ليس جديداً، فما الذي يستفز واشنطن في هذا التوقيت بالذات، كي تعبر عن كل هذا الاستياء من تطور العلاقات بين موسكو وبكين؟
أولاً: ثمة قلق أميركي متبدٍ حيال احتمال أن تشن روسيا هجوماً جديداً في أوكرانيا، مستغلة الوضع العسكري الضعيف لأوكرانيا، في ضوء استمرار جمود المساعدة الأميركية في الكونغرس، وعدم قدرة الدول الأوروبية على ملء الفراغ والوفاء بوعدها تزويد كييف بمليون قذيفة في ظل تعطش أوكراني إلى الذخائر.
ثانياً: تحمّل أميركا الصين المسؤولية عن اخفاق العقوبات الغربية في دفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار. وصادرات روسيا من الطاقة إلى أوروبا، تحولت بعد الحرب إلى الصين، وبأسعار تفضيلية. ساعد هذا روسيا في إيجاد أسواق بديلة من الأسواق الأوروبية، وأتاح للصين تدعيم قاعدتها الصناعية في وقت لا يزال اقتصاد البلاد يتعافى من اغلاقات كورونا ومن تعثر قطاع العقارات.
ثالثاً: ترى واشنطن أن مزيداً من التقارب الروسي- الصيني، سيدعم النزعة التعددية في العالم ويعزز القوى المنادية بضرورة زوال النظام العالمي القائم على هيمنة أميركا قطباً وحيداً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وما رفض واشنطن التعاون في وقف حربي أوكرانيا وغزة، سوى المثال على ذلك.
انطلاقاً من هذه الهواجس، تتعهد موسكو وبكين توثيق علاقاتهما الاستراتيجية والتعاون في القضايا الدولية. وكما لروسيا مصلحة قوية في البناء على "الشراكة بلا حدود" التي أعلنها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ في 2022، كذلك لبكين مصلحة في ذلك.
وبينما كان لافروف في العاصمة الصينية، كان رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا يغادر إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية، على جدول أعمالها البحث مع الرئيس جو بايدن في امكان ضم اليابان إلى حلف "أوكوس" العسكري بين أميركا وبريطانيا وأستراليا.
وترى الصين في حلف "أوكوس" نسخة آسيوية لحلف شمال الأطلسي في أوروبا. ويهم بكين أيضاً أن لا تتخلى عن روسيا في مواجهة سياسة الأحلاف والتكتلات العسكرية التي تنشئها واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي لمواجهة الصعود الصيني.
ثم إن الصين تنظر بعين القلق إلى تزايد الدور الأميركي في تايوان، والتخلي رويداً رويداً عن سياسة "صين واحدة". هذه السياسة تخشى بكين أن تعزز نفوذ أصحاب التيار الاستقلالي في الجزيرة. وفوز مرشح الحزب التقدمي الديموقراطي وليم لاي تشينغ بالانتخابات الرئاسية التايوانية في كانون الثاني (يناير) الماضي، زاد من المخاوف الصينية، كونه من دعاة إعلان الاستقلال. وخطوة كهذه ستشعل حرباً في المنطقة وتجبر الصين على اجتياح الجزيرة.
وكما الحال مع تايوان، أعربت الصين عن قلقها من تصاعد الدعم العسكري الأميركي للفليبين ومن المناورات المشتركة بين البلدين. وتتنازع بكين ومانيلا السيادة على جزر في بحر الصين الجنوبي، وتدور احتكاكات من حين إلى آخر بين البحريتين الصينية والفليبنية.
وفي الإجمال، لا ترى بكين أن من حق واشنطن توجيه الانتقادات إلى السياسة الخارجية الصينية من جهة، ومن جهة ثانية فرض مزيد من العقوبات على كيانات صينية بذريعة التعامل مع شركات روسية وصينية خاضعة للعقوبات الأميركية. وعلاوة على ذلك، وفي سياق الحرب التجارية، تفرض الولايات المتحدة مزيداً من القيود على الشركات الأميركية التي تعمل في قطاع التكنولوجيا في الصين.
ووضع قيود على تصدير أشباه الموصلات إلى بكين هو نموذج لمحاولات أميركا الحد من المنافسة الصينية في وقت تستعر فيه الحرب على الصدارة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
العلاقات الصينية- الروسية ينبغي مقاربتها بهذه الكلية، وليس بناء على ما يجري في أوكرانيا فقط.