مر عام على الحرب السودانية من دون أن تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، رغم أن المآسي التي خلفتها لا تقل عن مآسي حربي أوكرانيا وغزة، وتهدد بدفع البلاد مجدداً إلى مستقبل مجهول وتجعل السودانيين العاديين كبش الفداء.
وخلال عام واحد، أدّت الحرب بين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى سقوط آلاف القتلى، ودفعت البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة الجوع، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وأدت إلى خسائر اقتصادية بـ200 مليار دولار، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8,5 ملايين شخص، بحسب الأمم المتحدة.
لم تعد أرقام القتلى ولا التحذيرات من المآسي الإنسانية المتمادية والمتمددة بفعل القتال الذي لا يتوقف تعني شيئاً بالنسبة إلى طرفي القتال اللذين لا يزالان على ما يبدو يعتقدان بإمكان تحقيق حسم عسكري.
ودخلت على خط الحرب قوى دولية، مثل روسيا وأوكرانيا اللتين نقلتا حربهما إلى السودان. كييف تساند البرهان، وموسكو تساند حميدتي. بينما الأطراف الدولية الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لا تضغط بما يكفي على الجنرالين المتقاتلين كي يجلسا إلى طاولة الحوار بحثاً عن حل سلمي.
والجنرالان اللذان كانا حليفين ذات مرة، فرّقهما الطمع بالسلطة والسعي إلى الاستئثار بها، من دون كبير اكتراث بالويلات التي يجرها استمرار الحرب على السودان والسودانيين.
وعندما تلجأ اليوم، الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى إلى فرض عقوبات على طرفي الحرب، فإن هذه الخطوات تأخرت كثيراً. والانشغال الغربي بحربي أوكرانيا وغزة، ليس عذراً مقبولاً لواشنطن كي لا تمارس ضغوطاً قوية على الجنرالين لوقف القتال.
إن الجهود التي تبذلها وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، لا تتناسب مع حجم المآسي التي تولدها الحرب، من قتل وتشريد وانتشار متزايد للمجاعة حتى بات أكثر من 25 مليون سوداني، أي ما يصل إلى نصف عدد السكان في حاجة إلى مساعدات للبقاء على قيد الحياة. وهذا ما جعل المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي سيندي ماكين تحذر، الإثنين، على هامش مؤتمر دولي في باريس حول السودان، من أن الأزمة الغذائية التي يمر بها هذا البلد قد تكون "الأكبر من نوعها على الإطلاق".
صحيح أن الطرفين المتحاربين يتحملان مسؤولية مباشرة عن النزاع. لكن القوى الإقليمية والدولية مطالبة بعدم الاكتفاء بالتعاطي مع النتائج الكارثية التي تفرزها الحرب الأهلية، بل بالمبادرة إلى الضغط على البرهان وحميدتي لسلوك طريق الحوار.
جرّب السودانيون الحروب الأهلية منذ الاستقلال وجرت عليهم الكوارث. وجرّب السودانيون حكم الجنرالات الذين وصلوا إلى السلطة من طريق الانقلابات. ولولا الثورة الشعبية عام 2019 التي أسقطت عمر البشير، لكان الأخير لا يزال يحكم سعيداً. لكن العسكريين الذين كانوا حول البشير والذين أفرزهم النظام السابق، سارعوا إلى اختطاف الإنجاز الذي حققته الثورة واستولوا على السلطة، ومنعوا قيام حكم مدني، كما كان يجب أن يكون.
والمشكلة بدأت من هناك، عندما مالأ الغرب العسكريين وتركهم يستقوون على القوى المدنية التي كان لها الفضل وقدمت التضحيات لإسقاط حكم البشير. وفي الوقت نفسه تمكن البرهان وحميدتي من المناورة لتعزيز موقعيهما وإبعاد المدنيين عن الحكم وصولاً إلى الانقلاب عام 2021 على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي كان يمثل المكون المدني في مجلس السيادة الذي تأسس بعد ثورة 2019.
الانقلاب كان نقطة مفصلية في تاريخ السودان أفضت في ما بعد إلى مرحلة الحرب الدامية التي انفجرت في 15 نيسان (أبريل) من العام الماضي بين قطبي السلطة العسكرية: البرهان وحميدتي.
لو تنبهت واشنطن والغرب عموماً إلى مخاطر إزاحة المدنيين من مجلس السيادة واستئثار العسكريين بالسلطة، لما كانت نشبت الحرب الدائرة الآن مع كل كوارثها. ويومذاك، لم تكن حربا أوكرانيا وغزة قد اندلعتا وشغلتا العالم عن مأساة السودان.