كلما تأخر الإسرائيليون في الرد على الهجوم الإيراني ليلة 13ـ14 نيسان – أبريل الحالي، تأكد للمراقبين أن المفاوضات جارية على قدم وساق بينهم وبين الولايات المتحدة على مستوى مقايضة الرد بمزايا ومكاسب يمكن لتل أبيب أن تنتزعها من واشنطن. والحال أن رد إسرائيل على الرد الإيراني يمكن أن يؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى تصعيد كبير قد يصعب تداركه. فمن ضربة إلى رد إلى رد على الرد تصبح المسألة على جانب كبير من الخطورة. من هنا، وكما تعاملت إدارة الرئيس جو بايدن مع الإيرانيين في ما كانوا يعدون العدّة للرد، فإنها تتعامل مع الإسرائيليين من أجل محاولة ثنيهم عن الرد على الهجوم الإيراني من خلال ترغيبهم بمروحة عقوبات جديدة على إيران، وحزمة مساعدات كبيرة لإسرائيل سبق أن تأجلت في الأشهر القليلة الماضية بسبب الخلافات داخل الكونغرس الأميركي بين الجمهوريين والديموقراطيين بشأن أزمة الهجرة غير الشرعية المتفاقمة في أميركا.
لكن ما يعقّد مسألة ثني إسرائيل عن توجيه ضربة مؤلمة لإيران أن الهجوم الإيراني المشار إليه آنفاً شكّل سابقة تاريخية باعتباره أول صدام مباشر بين القوتين الإقليميتين، وقد بدت إسرائيل في وضعية غير مريحة، لا سيما أنها تحصنت بموقف دفاعي من أن تدعمها الولايات المتحدة للانتقال إلى وضعية هجومية.
تحتاج إسرائيل من أجل مستقبلها لأن توجه ضربة مهينة للإيرانيين على أرضهم. بخلاف ذلك ستكون إيران قد سجلت انتصاراً معنوياً عليها، وإن يكن قصير الأمد، في عملية "طوفان الأقصى". فالمراقب لا يسعه إلا أن يعترف للإيرانيين بدورهم الرئيسي والحاسم في الوصول إلى عملية "طوفان الأقصى". لكن مشكلة إسرائيل أن إدارة الرئيس جو بايدن غير مستعدة للمجازفة بانفجار الوضع في الشرق الأوسط، وهي تخوض معركة انتخابية رئاسية صعبة جداً ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. ومن دون دعم أميركي لا تستطيع تل أبيب أن توجه ضربة موجعة سينجم عنها رد إيراني محقق.
صحيح أن القوة الإسرائيلية كبيرة وقادرة، لكن حسابات واشنطن تتناقض في مجالات عدة مع حسابات تل أبيب. فلا ننسى أن إدارة الرئيس بايدن هي ابنة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الشرعية. تلك الإدارة راهنت كثيراً على سياسة استمالة إيران وإدارة الظهر للحلفاء التاريخيين في المنطقة، تماماً كما عادت إدارة بايدن إلى اعتماد السياسة نفسها منذ اليوم الأول لتبوء بايدن منصب الرئيس. من هنا مشكلة إسرائيل كبيرة بسبب سياسة إدارة بايدن التي أسهمت بتراخيها في تعبيد الطريق أمام طهران لكي تسرع برنامجها النووي العسكري بخطى عملاقة. واليوم باتت إيران على العتبة النووية، وبالتالي لن يمر وقت طويل إلا وتكون امتلكت قنبلتها النووية الأولى.
ومشكلة إسرائيل العميقة مع إدارة الرئيس جو بايدن أن الأخيرة لا تمتلك أجوبة ولا تصورات حاسمة لمواجهة البرنامج النووي الإيراني الخطير. فبمجرد النظر إلى سلوكها مع إيران منذ السابع من تشرين الأول-أكتوبر 2023، يمكن تصور ميوعة الرد الأميركي لحظة تقوم إيران بالتجربة النووية الأولى. عندها سيكون من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
استنتاجاً، أن عرقلة واشنطن الرد الإسرائيلي وما بعده هو المؤشر إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تتعاطى مع النظام الإيراني على قاعدة أنه بات عضواً في نادي الدول النووية.
أما بالنسبة إلى الرد الإسرائيلي، فإنه كلما مر يوم سيصبح أكثر صعوبة بسبب العراقيل التي تزرعها الولايات المتحدة أمام تل أبيب الخائبة.