في إحدى نوادر هوليوود، أصدر القضاء الأميركي الأسبوع الجاري حكماً بالسجن على مسؤولة الأسلحة في فيلم "راست" بعد فاجعة موت مديرة التصوير وإصابة مخرج الفيلم بسبب عدم قيامها بواجبها بالتأكد من خلو المسدسات من الطلقات النارية الحية قبل استخدامها من قبل البطل في أحد المشاهد!
ويواجه بطل الفيلم النجم الهوليوودي أليك بالدوين عقوبة مماثلة تمتد على الأرجح إلى نحو 18 شهراً. ما حدث أن هانا غوتيريز ريد وضعت رصاصات حية في المسدس الذي كان يستخدمه بطل الفيلم والمنتج Alec Baldwin خلال تصوير مشهد عام 2021 في مزرعة في جنوب غربي الولايات المتحدة، فيما كان من المفترض أن يحتوي المسدس على "رصاص خلبي (فارغ)" إلا أن طلقة حية انطلقت من السلاح فقتلت المصورة وأصابت المخرج. والرصاص الخلبي كما يصفه العميد الركن المتقاعد د. هشام جابر لـ"النهار العربي" يختلف عن "الرصاص الحقيقي الذي يتسبب بالقتل، فالرصاص الخلّبي يستخدم في التدريب العسكري وهو كالرصاصة العادية يحتوي على خزان ينطلق منه البارود لا الرصاصة".
ولم تشفع دموع مشرفة الأسلحة لها عن إيقاع أقصى عقوبة طالبت بها النيابة العامة (للقتل غير العمد)، إذ كانت تترك المسدسات من دون مراقبة ولم تلتزم معايير عمل مسؤولي الأسلحة في مواقع التصوير. وسوف يحدد مصير البطل في محاكمة في شهر تموز (يوليو) 2024 بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
الحيثيات أظهرت أيضاً أن المنتج كان يضغط على طاقم العمل، وأن المشرفة انشغلت في عمل فرعي وهو المساعدة في تحضير الإكسسوارات، الأمر الذي شتت تركيزها عن دورها الجوهري في حماية أرواح الموجودين في موقع التصوير.
في المؤسسات الكبرى تكتب التعليمات بناءً على ركام من التجارب والأخطاء. والأمر نفسه يحدث في العقود، فتجد عقول القانونيين تفيض بمعين لا ينضب من الحلول والممارسات التي يضعونها في عقودهم حماية لموكليهم ومؤسساتهم. وكذلك الحال في الإرشادات والتعليمات التي نشاهدها في الطائرات، والقطارات، والمصانع، والأماكن العامة وغيرها. وهذا ما يجعل التهاون بها مخالفة جسيمة، خصوصاً إذا كانت مرتبطة بأرواح الناس وسلامتهم أو ذات صلة بأموال الخزينة العامة والمساهمين. الأمر الذي يدفع المدققين في كل مكان إلى المتابعة دورياً لمدى التزام الجميع بالتعليمات واللوائح والقوانين لأنه ما إن يحيد عنها أحدهم حتى ينذر تصرفه بارتكاب مخالفة (أو ملاحظة).
ولهذا أحرص عندما أنضم إلى فريق مجلس إدارة إلى تقسيم المخالفات إلى ألوان عدة، مثل وضع عَلَم أو دائرة تحمل اللون الأحمر وهي مخالفة لائحة أو قانون، أو برتقالي وهي مؤشر إلى قرب الوقوع في الفخ الأول (المخالفة)، واللون الأصفر هو الملاحظة التي تشير إلى هذا التصرف أو الممارسة إذا ما تجاهلناها قد توقعنا في مخالفة قانون أو لائحة داخلية (اللون الأحمر).
يمكن القول إن الممارسات الإدارية تطورت عبر الزمن، وساعدها تضافر القطاعات الأخرى معها مثل المحاسبة والمخاطر والقانونية لضمان قيامنا بأعمالنا على أكمل وجه. صحيح أن بعضهم "لا يحبذ" التعامل مع هذه الأقسام أو ما يطلق عليها المكاتب الخلفية back office لكنها هي التي ترفع لنا راية قرب وقوع الخطر أو زواله على غرار صافرات الإنذار الصوتية.