سيُذكر شهر نيسان (أبريل) 2024 في التاريخ السياسي والأمني في المنطقة باعتباره الشهر الذي شهد الصدام المباشر الأول بين إيران وإسرائيل. فبين الأول من نيسان والتاسع عشر منه، مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق التي قضت على سبعة من كبار ضباط "فيلق القدس" في سوريا ولبنان، ثم الرد الإيراني بعد 14 يوماً بموجة بلغت أكثر من 330 مسيرة وصاروخاً أصابت 7 منها قاعدة "نيفاتيم" الجوية في النقب، انتهاء بضربة جراحية إسرائيلية على نظام الدفاع الجوي الباليستي لمنشأة "نطنز" النووية شمالي مدينة أصفهان، عاشت المنطقة على وقع الصدام المباشر بين القوتين الإقليميتين. ولكنّ التدخل الأميركي الحاسم حال دون التصعيد الخطير، ونجح في رسم حدود للصدام بينهما وفق تفاهمات أعادت خطوط الاشتباك إلى سابق عهدها، أي حرب على مستويين، الأول مواصلة الحرب بين إسرائيل والأذرع الإيرانية، والثاني استمرار حرب الظل بين القوتين.
هذه التفاهمات هي التي يبدو أنها ستسود في المرحلة المقبلة. من هنا التوقعات بأن تستمر حرب إسرائيل ضد "حماس" في غزة إلى حين تقويض الحركة عسكرياً في كل أنحاء القطاع. ومن هنا أيضاً توقعات بأن تبدأ عملية اقتحام مدينة رفح في المدى القصير، يصاحبها تسخين كبير لجبهات الأذرع في لبنان، العراق واليمن. فإيران التي تستثمر منذ العام 1979 تحت شعار القدس والقضية الفلسطينية تحتاج أن تلعب دوراً بارزاً في الحرب الدائرة، علماً أنها تدرك أن دورها لن يمنع سقوط قطاع غزة، ولن يغيّر في مسار الحرب الدائرة هناك، كما أنه لن يؤثّر على الوجود الأميركي في العراق، أو البحر الأحمر أو المضائق. كما أن حرب "المشاغلة" التي يخوضها "حزب الله" ضد الإسرائيليين انطلاقاً من لبنان ستبقى تحت السقوف الأميركية التي تمنع إسرائيل حتى الآن من شن حرب واسعة ضد "حزب الله" في لبنان. وتمنع في المقابل "حزب الله" بواسطة مرجعيته في طهران من التهور وارتكاب الخطأ المميت.
انطلاقاً مما تقدم يمكن استخلاص ما يأتي: أن لبنان سوف يبقى في مرمى حرب "المشاغلة" حتى لو قام الإسرائيليون بتعميق نطاق ضرباتهم جغرافياً، ورفع سقف العنف. لكن حتى اللحظة لا مؤشرات إلى وجود ضوء أخضر أميركي لإسرائيل لكي تقوم بعملية عسكرية حاسمة في لبنان. هذا لن يمنع من استهداف قيادات وبنى عسكرية تابعة لـ"حزب الله" في مناطق بعيدة عن الحدود وربما في الضاحية الجنوبية لبيروت أو حتى بعض الأحياء في العاصمة نفسها.
في العراق سيسمح لإسرائيل بالرد على الفصائل العراقية التابعة لـ"فيلق القدس" كلما استهدفت إسرائيل نفسها. وقد حصلت قبل أيام قليلة ضربة غامضة (إسرائيلية) على مقر تابع لـ"الحشد الشعبي" في محافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد، كان الهدف منها إيصال رسالة إلى الفصائل بأنها مكشوفة عسكرياً ويسهل إلحاق الأذى الكبير بها. أما في ما يتعلق بالحوثيين في اليمن فالتحالف الدولي ضمن عملية "حارس الازدهار" تمكن من إضعاف قدراتهم بالنسبة إلى المسيرات والصواريخ التي يهددون بها حرية الملاحة. وإذا استمرت الضربات الاستنزافية الأميركية – البريطانية لغاية نهاية الصيف سيكون الحوثيون خسروا 90 في المئة من قدراتهم بما سيمكن التحالف من تحييدهم إلى حد كبير.
ستستمر حرب غزة لأشهر طويلة مقبلة. لكن إيران وإسرائيل لن تخلّا بقوانين اللعبة.