قال أحد عمالقة الأدب الروسي في كتابه "اعترافات تولستوي" إنه بعد الاشتغال في مهنة التعليم اكتشف أنه ليس لديه ما يقدمه من علم. فذهب إلى أوروبا لينهل منها العلم. وهو من هو في صيته الأدبي الذي جعل ليو تولستوي من أشهر الروائيين في العالم.
في هذا الكتاب يعترف صراحة بأنه كان يندهش من إعجاب الناس بما يكتبه هو وزملاؤه الأدباء، إذ يعتبر نفسه جاهلاً في أمور كثيرة وليست لديه إجابات حقيقية عن هذه الحياة، وما هو صح وما خطأ. كما أن "خواءه الفكري" آنذاك على ما يبدو جعله في حيرة من أمره عند محاولات الإجابة عن أسئلة وجودية، كسبب وجودنا في هذا الكون ومصيرنا، ولماذا نكابد عناء العيش ثم يكون مصيرنا إلى زوال!
الخواء الفكري مرحلة من مراحل تطور الإنسان، وهي ليست عيباً إذا كانت كذلك، لأن بيد كل منا اقتفاء أثر العلماء والمثقفين والمطلعين على بواطن الأمور لتكوين معرفة متراكمة نهتدي بها نحو طريق النور.
الخواء الفكري، أن تكون لدينا كاميرا هاتفية نسجل بها كل شيء للجمهور ما عدا ما يفيدهم. الخواء الفكري أن نكتب حينما لا نجد في فكرنا ما يستحق الكتابة، فنشتم هذا ونقذف ذاك، وننتقص من شأن تلك ونرفع من شأن المتردية والنطيحة في المجتمع.
الخواء لغة هو الفراغ. الكون لا يُحب الفراغ، فلا بد من أن يملأ هذا الحيزَ شيء. "فنفسك إلا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل" كما قال ابن القيم.
ويقول الكاتب د. فهد الغفيلي في كتابه "الخواء الفكري" إن أحد أسباب الخواء الفكري يعود إلى الإهمال الأسري، حيث تترك الأسر حبل أبنائها على الغارب من دون تغذيتهم بالقراءة والبحث والاستنباط، وذلك حتى يمكنهم "التمييز بين الغث والسمين". وذلك يعني أن للأسرة دوراً في صقل معارف أبنائها. وهناك قصور في المدرسة العربية التي ما زالت لا تولي للقراءة وأصناف التفكير النقدي أهمية تُذكر. ولا تقدم ذلك بطرق إبداعية تجعل الكتاب جاذباً للشباب والأطفال. صار الشاب يسألك عن عدد صفحات الكتاب قبل أن يعرف عنوانه وموضوعه، غير أنه لا يكترث بالساعات الطوال المهدرة في تقليبه لشاشات التفاهة في السوشيال ميديا! ذلك نذير بأن الخواء سيستمر في التمدد.
ولأن الفراغ في علم الفيزياء فضاء يخلو من المادة والضغط الجوي، فإنه يسهل فيه انتقاء الموجات الكهرومغناطيسية. وهو ما يحدث في خوائنا العقلي، فعندما لا يغذي المرء عقله بالمعرفة والتجربة والاطلاع يكون عرضة لموجات من التفاهة والسطحية التي لا يُبنى عليها فكر ولا رُؤى متماسكة.