النهار

متى أصبح اللّئام قدوات لأبنائكم
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
الغطرسة واحدة من "حزمة" الصفات الشنيعة التي بات يُروّج لها أمام الشبّان المُغرر بهم باعتبارها "أثرا جانبيا مقبولا" للعبقرية، والنجاح، والانفراد عن "القطيع".
متى أصبح اللّئام قدوات لأبنائكم
صورة مأخوذة من الفيديو لعملية طعن الاسقف عمانوئيل في اوستراليا
A+   A-
سينقسم الناس في آرائهم حول أحقية منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي بالإبقاء على فيديو حادثة طعن مار ماري عمانوئيل، الأسقف الآشوري العراقي، في مدينة سيدني الأسترالية. فسيتفق البعض مع رغبة مفوضية السلامة الإلكترونية في أستراليا بإزالة الفيديو بسبب محتواه الإرهابي العنيف، بينما سيتفق البعض الآخر مع مبدأ إيلون ماسك، مالك "إكس"، بأن الاستجابة لرغبة الحكومة الأسترالية بإزالة الفيديو ستمهّد للسماح لمختلف الحكومات بفرض رقابتها على منصته.
 
أما فئة متنامية من المراهقين والشبّان، خصوصاً ممن يفتقدون القدوات الذكورية المتزنة، فلن يعنيهم سوى وصف رئيس الوزراء الأسترالي آنتوني آلبانيز، لبطلهم المغوار ماسك بـ"المتغطرس". أتخيلهم يصفقون أكف بعضهم بعضاً ابتهاجاً، وينفخون صدورهم فخراً.
 
فالغطرسة واحدة من "حزمة" الصفات الشنيعة التي بات يُروّج لها أمام الشبّان المُغرر بهم باعتبارها "أثراً جانبياً مقبولاً" للعبقرية، والنجاح، والانفراد عن "القطيع". تُبرز وتُستعرض أمامهم قدوات مثيرة للجدل في قيمها وأخلاقها وإنسانيتها وتعاملها مع الآخرين، ويتم تلقينهم بأن ذكاء هذه "القدوات"، أو ثراءها، أو اقتدارها في مجالها، يبرر لها كل ما سبق. 
 
 
أعني قدوات مثل ماسك الذي عُرف عنه إقالته للموظفين لأتفه الأسباب، وتجاهل إصاباتهم في معامل "تسلا"، أو ستيف جوبز، مؤسس شركة "آبل"، والذي كان موظفوه يتحاشون مجرد ركوب المصعد معه لأن تلك الدقائق كانت تتحول إلى رحلة من الضغط النفسي والتشنيع، أو حتى جيف بيزوس، مؤسس ورئيس شركة "أمازون"، والذي قد لا يكون مضرباً للمثل في الجمع بين اللؤم وارتفاع معدلات الذكاء، ولكن الكتاب الذي ألّفه براد ستون يشهد بخلقه بيئة عمل سامة، حيث يكثر من سؤال موظفيه مستهزئاً: "هل أنتم كسالى أم عاجزون؟".
 
حتى المسلسلات والأفلام تحبب لهم شخصية "العبقري الحقير"، والذي من المفترض أن يشفع له عقله الفذ، ويشرعن له "دهس" الآخرين، مثل شخصية "دكتور سترينغ" في سلسلة أفلام "مارفل"، وشخصية "دكتور هاوس" من المسلسل الشهير، والتي أكاد أقسم بأني التقيت طبيباً كان يحاول تقمص شيء من جلافته في الواقع، وعدم اكتراثه بمشاعر المرضى!
 
أصبح "العبقري" في التعريف المستحدث، والذي يشتربه اليافعون والشبان من دون التشكيك فيه، شخصاً لئيماً، حقيراً، وقحاً، مغروراً، متنمراً، صلفاً، صدامياً، نزقاً، متفذلكاً، جارحاً، عصبياً، حاد الطباع، معايراً للمجتمع، يتململ من الناس، ويستصغرهم. فكل هذه مؤشرات غير معلنة إلى الإبداع، والخروج عن المألوف، والانشغال بالذكاء الصارخ عن سفاسف الأمور، مثل إحسان معاملة من هم تحت إمرته من موظفين ومعاونين وعمالة، أو – في هذه الحالة - مراعاة روّاد كنيسة شاهدوا أسقفهم وهو يُطعن أمامهم.
 
إن عالماً يُقدّم فيه ماسك أمام أبنائكم ومراهقيكم باعتباره "القدوة" ليس بعالم يقدّس الذكاء ورجاحة العقل مثلما قد تتصورون، بل هو عالم قاس، بارد، طبقي، ولا إنساني، يُسمح فيه لذوي الامتيازات بالتغوّل لسحق كل شيء في طريقهم، حتى كرامات البشر.  
 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium