النهار

تجار الحشيش الأشد نبلاً
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
"أفسخ التعاقد يا أهلي"، جملة يردّدها المشجعون الكرويون في مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من أسبوع من دون كلل أو ملل، إذ يطالبون النادي الأهلي المصري بإلغاء تعاقده مع "كوكاكولا"
تجار الحشيش الأشد نبلاً
حملة تطالب الأهلي المصري بفسخ تعاقده مع كوكاكولا.
A+   A-
"أفسخ التعاقد يا أهلي"، جملة يردّدها المشجعون الكرويون في مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من أسبوع من دون كلل أو ملل، إذ يطالبون النادي الأهلي المصري بإلغاء تعاقده مع "كوكاكولا"، إحدى رعاة النادي الرسميين، بسبب الاتهامات للشركة بدعم الاحتلال الإسرائيلي. بل ظهرت فتاة أهلاوية تتوعد باعتزال التشجيع- وهو في عرفنا نحن مهووسو كرة القدم بمثابة الخيانة العظمى- لو لم يستجب النادي لنداءاتهم.
 
وقد اضطر مسؤولو الأهلي إلى أداء دور "غوغل" في شرح البديهيات لمن يتوهمون بأنّ هذه العقود دعوات اجتماعية على الغداء، يمكن التملص منها برسالة عبر "واتساب"، فأوضحوا أنّ فسخ التعاقد في هذا التوقيت سيكلّف النادي مبالغ طائلة لسداد قيمة الشرط الجزائي، والتي تقدّرها بعض المصادر بـ60 مليون جنيه. وبعيداً من الضرر المادي، فإنّ سمعة الأهلي التسويقية قد تتكبّد ضربة موجعة تمتد تبعاتها لسنوات، إذا ما أخلّ بعقده مع شركة عالمية بحجم "كوكاكولا".
 
بالطبع، أتفهم تماماً بأنّه ليس في أيدينا سوى المقاطعة الاقتصادية لنصرة غزة، وبأنّ أغلبنا يسجّل أعز انتصاراته على المحتل بمقاطعة كوب "ستاربكس" الصباحي، و"التضحية" بالاستعاضة عنه ببديل أقل جودة. أتفهم أننا غاضبون، مقهورون، محتقنون، ومستنزفون، في المقام الأول بعجزنا عن فعل شيء.
 
وإنني أيضاً أؤمن بقوة المقاطعة الاقتصادية التي يُطالب بها الأهلي، وأدرك مدى نجاحها. ومن لم يشأ التصديق، فلينظر إلى خسائر "ماكدونالدز" وحدها، والبالغة 6.87 مليارات دولار بعد حماقة "ألونيال"، صاحبة الامتياز في إسرائيل، بتوزيع الوجبات المجانية على الجنود.
 
ولكن المقاطعة تحوّلت أيضاً إلى سلاح نسنّه ضدّ بعضنا بعضاً، غالباً لأنّ ذلك أقصى ما نستطيعه حالياً.
 
فقبل المزايدة الرخيصة على الأهلي، والذي سيّر في الواقع شحنة من المساعدات إلى غزة، أتذكر اللافتات الإعلانية التي رُفعت قبل فترة في شوارع الكويت الحبيبة، لتسأل من لم يُقاطع الشركات المتهمة بعد "هل قتلت فلسطينياً اليوم؟"، وكأنما أصبح قلي الدجاج في مطابخ "كنتاكي"، أو ترتيب رفوف "كارفور"- وهو واقع الكثير من الشباب العربي- مرادفاً لإطلاق الرصاص وإلقاء القنابل.
 
بات يصعب عليّ اعتبار ما يحدث تسابقاً في الحمية والخير، أو تنافساً في نصرة فلسطين. إنّ هذه اللغة الهجومية التحريضية الحادة، والمطالب الشعبوية غير العقلانية، تبدو لي استهدافاً للأطراف الخطأ، غالباً لتفريغ استيائنا وانكساراتنا وشعورنا بالمهانة.
 
عموماً، لو أصرّ القوم على المزايدة على بعضهم البعض، ليتناوب كل منهم على الادعاء بأنّه الأكثر نصرة لغزة، والأنبل خُلُقاً، فإنّهم سيدخلون في معركة خاسرة مسبقاً ضدّ تجار الحشيش المغاربة.
 
نعم! فصدّق أو لا تصدّق، قرّر تجار "الكيف" منذ أشهر خلت مقاطعة المهرّبين الإسرائيليين استنكاراً للحرب على غزة، ليضحّوا بشكل مباشر بعشرات الملايين من الشياكل بسبب الطلب العالي على منتجهم في إسرائيل.
 
إذاً، وبالمنطق نفسه، أين أنتم يا مقاطعي "أمازون" و"نتفليكس"، وأين تخاذلكم وتقصيركم، من بطولات تجار الحشيش؟

اقرأ في النهار Premium