النهار

مُسَيّرةُ "سرايا الأشتر"... المُسمّى فلسطين والهدفُ البحرين!
حسن المصطفى
المصدر: النهار العربي
نشرت "سرايا الأشتر" بياناً في 2 أيار (مايو) الجاري، أعلنت فيه أنّ "المقاومة الإسلامية في البحرين" استهدفت "مقر الشركة المسؤولة عن النقل البري في الكيان الصهيوني.. في مدينة أم الرشاش في فلسطين المحتلة"
مُسَيّرةُ "سرايا الأشتر"... المُسمّى فلسطين والهدفُ البحرين!
شعار سرايا الاشتر
A+   A-
 
نشرت "سرايا الأشتر" بياناً في 2 أيار (مايو) الجاري، أعلنت فيه أنّ "المقاومة الإسلامية في البحرين" استهدفت "مقر الشركة المسؤولة عن النقل البري في الكيان الصهيوني.. في مدينة أم الرشاش في فلسطين المحتلة"، بحسب نص البيان، وأنّ هذا الاستهداف لـ"إيلات" تمّ "يوم الثلثاء 27 نيسان (إبريل) 2024"، وذلك عبر "الطيران المسيّر"، والهدف من ذلك "نصرة لشعبنا المقاوم في غزة"، وفق "السرايا".
 
حساب "الأبدال" عبر منصّة "إنستغرام" نشر أيضاً صوراً وفيديو للطائرة المسيّرة التي يزعمُ أنّها استهدفت "إيلات"، فيما تداولت العديد من القنوات الموالية لـ"محور المقاومة" هذه الصور والفيديوهات، وأعادت نشرها في حسابات متعدّدة، أغلبها تابع أو مؤيّد لتنظيمات مسلحة عراقية ولبنانية، مشيدة بالعملية!
 
"سرايا الأشتر" فصيلٌ مسلحٌ قام بأكثر من عملية أمنية في مملكة البحرين، كما أنّ عدداً من عناصره قاموا بتهريب مواد متفجّرة إلى المملكة العربية السعودية، وتمّ إلقاء القبض عليهم وإفشال مخططهم الإرهابي وتنفيذ حكمِ القضاء بهم، فضلاً عن انخراط أفراد منه في مهمّات تدريب على حمل السلاح وصناعة المتفجرات وتشكيل خلايا مسلحة، وفّرت دعماً لوجستياً وأمنياً ومالياً، بهدف القيام بعمليات تخريب في البحرين.
 
البحرين والولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر صنّفت "سرايا الأشتر" منظمة "إرهابية"، يعيش قادتها بين العراق وإيران، وهي تُعتبر امتداداً لـ"تيار الوفاء الإسلامي" الذي يقضي زعيمه عبد الوهاب حسين حكماً بالسجن في البحرين.
 
في الوقت الذي يقضي فيه حسين محكوميته، برز اسم رجل الدين البحريني مرتضى السندي، وهو شخصية متشدّدة، خطابه يحرّض على العنف وسيلة للتغيير في البحرين وقلبِ نظام الحكم.
 
السندي نشر نداءً في 15 تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، جاء فيه ما نصّه "أدعو أبناء شعب البحرين، وأدعو كل الأحرار في العالم، إلى أن يدهسوا ويطعنوا ويقتلوا كل صهيوني يجدونه يتمشى في مدن وأحياء بلداننا وأوطاننا الإسلامية والعربية"، وهي الدعوة الصريحة إلى الاغتيالات العشوائية، وقد ناقشتُ خطابه هذا في مقالٍ نشره "النهار العربي" في 1 شباط (فبراير) الماضي.
 
المعطيات السابقة تدفع إلى السؤال عن الهدف الأساسي لنشاطات "سرايا الأشتر" وخطابات قادتها، وهل المراد حقيقة نصرة فلسطين، أم انّ هنالك أهدافاً بعيدة المدى؟
 
للإجابة عن السؤال، من المفيد النظر إلى التطورات الأخيرة في البحرين، حيث أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة عفواً "عن عدد من المحكومين في قضايا الشغب والقضايا الجنائية" بلغ عددهم 1584 محكوماً"، وفق ما نشرته "وكالة الأنباء البحرينية".
 
العفو الملكي، بحسب "الوكالة" جاء "انطلاقاً من حرص جلالته على تماسك وصلابة المجتمع البحريني، والعمل على حماية نسيجه الاجتماعي في إطار إعلاء المصلحة العامة، والحفاظ على الحقوق الشخصية والمدنية، ومراعاة مبادئ العدالة وسيادة القانون واعتبارات صون الاستقلال القضائي والتوفيق بين العقوبة من جانب والظروف الإنسانية والاجتماعية للمحكوم عليهم من جانب آخر".
 
هذه الخطوة الملكية تبعها صدور توجيه من ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الى وزارتي الداخلية والعمل، بـ"التنسيق لتسجيل المشمولين بالعفو الملكي السامي، ضمن المستفيدين من إعانة التعطّل للباحثين عن عمل"، وذلك بهدف توفير فرص عمل مستقبلاً لمن تمّ إطلاق سراحهم وتدريبهم.
 
هذه الخطوة الملكية رحّب بها العديد من المؤسسات والشخصيات المدنية والوطنية، وأشاعت أجواء إيجابية واسعة، خصوصاً لدى أهالي المطلق سراحهم، وجعلت بقية أُسر المحكومين تأمل في عفو ملكي قادمٍ يشمل أبناءهم.
 
بدوره، "مجلس النواب" البحريني أشاد بـ"العفو الملكي"، بل إنّ مجموعة من أعضائه وجّهت الدعوة إلى طي صفحة الماضي، وإشاعة أجواء الحوار والمصالحة، متمنين أن تستمر المبادرات الإيجابية، وأن يشمل الملك برعايته عائلات بقية المحكومين.
 
حتى وسائل التواصل الاجتماعي، شهدت نقاشات حيوية وصريحة، وبرز عدد من الأفكار التي تركّز على ترسيخ الهوية الوطنية، والبُعد عن التحريض والخطابات الطائفية والعنصرية.
 
هذه الأجواء الإيجابية الواسعة جاءت بإرادة ملكية عُليا، ولم يكن لـ"المعارضة" أي دور فيها، بل إنّ قياداتها أُربكت، وكانت تعليقات غالبيتها متردّدة، غير ناضجة، وحتى سلبية في جزء منها، إذا استُثنيت بعض الشخصيات القريبة من المعارضة أو التي كانت منها وانسحبت تالياً.
 
من هنا، وجدت "المعارضة" ذاتها خارج المعادلة القائمة حالياً، ما جعلها في موقف غير القادر على تغيير خطابها وامتلاك شجاعة الانخراط في البناء الوطني الحقيقي الذي يصون كيان الدولة، وينظر إلى المستقبل، ولا يبقى حبيس الماضي!
 
من هنا، جاءت العملية المزعومة لـ"سرايا الأشتر" من أجل إثارة أجواء سلبية في الداخل البحريني، ومحاولة تعطيل مفاعيل "العفو الملكي"، خصوصاً أنّها تزامنت مع نداءات جاءت من جهات معارضة خارج البحرين دعت عائلات الموقوفين إلى التظاهر والاعتصام، وهي التجمعات التي شهد بعضها إحراق إطارات السيارات ورفع شعارات متشدّدة، في الوقت الذي تعاملت فيه السلطات بهدوء، ولم تصطدم معها لأيام، فيما اضطرت لاحقاً للتعامل بـ"القانون" مع بعضها عندما تجاوزت المسموح به!
 
"سرايا الأشتر" التي لا تحظى بشعبية في المجتمع البحريني، ولا تمثل إلّا شريحة صغيرة جداً من المتشدّدين، تريد أن تستغل المشاعر المتعاطفة مع فلسطين، في سبيل زعزعة الأمن في البحرين والخليج العربي، وهي الآن مجرد فصيل صغير في محور أوسع، يشرف عليه "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، أي أنّها مجرد أداة، لا تمتلك استقلاليتها، فكل مواردها المالية والدعم الأمني واللوجستي والإيواء يتمّ توفيرها لها بشكل أساسي من خلال "الحرس الثوري".
 
شخصياً، أعتقد أنّ استهداف إيلات مجرد دعاية غير حقيقية، وحتى وإن حصل وأطلقت "سرايا الأشتر" مسيّرة، فهي مشاركة رمزية لن تضيف أي شيء عسكرياً، إلّا أنّها جرس إنذار الى المخاطر التي تتعرّض لها البحرين ودول الخليج العربية جراء مساعي الميليشيات والتيارات الأصولية التي تريد إثارة الفوضى وتقويض اي مبادرات إصلاحية!
 
من هنا، التحلّي بالبصيرة أمرٌ مهم في هذه المرحلة الحسّاسة، فليس كل من حَمَل علم فلسطين وهتف باسمها يريد الخيرَ للشرق الأوسط، بل هنالك من يرفع هذه الشعارات، فيما الغاية المضمرة ضربُ دول الاعتدال العربي وتقويض أمنها!
 

اقرأ في النهار Premium