مر المنخفض الجوي الأول على الإمارات في نيسان (أبريل) المنصرم، ثم جاء المنخفض الجوي الثاني قبل أسبوع، ومر بدوره، والقوم لا شاغل لهم سوى الضحك حتى الاستلقاء. سخروا من الشوارع المغمورة بالمياه بعدما استقبلت الدولة أعلى كمية لها من الأمطار منذ 75 عاماً. سخروا من تعطّل المترو، وانقطاع الكهرباء، وتأجيل الرحلات في مطار دبي.
ضحك القوم وشمتوا، ومن لم يوظّف طاقته في السخرية فقد وظّفها في التألي على الله، جازماً بأن المنخفضات الجوية "عقاب إلهي" خُصّت به الإمارات. ولولا الخجل من الخوض في الحضيض، لسألت إن كان "العقاب" قد طال الشقيقة عُمان أيضاً، حيث خلّف "منخفض الهدير" وراءه أكثر من 20 ضحيةً بريئة.
ومن لم يبدع في المجالين السابقين اتجه إلى الترهيب والتهويل، وبث القلق بصورة خبيثة ممنهجة بين المقيمين في الإمارات والزوار، على غرار المواقع والحسابات الإخبارية التافهة التي استخدمت خلال الأسبوع الماضي عناوين مثل، "كارثة جديدة تهدد الإمارات، ولن ينجو منها إلا القليل"، وكأنما كنا على موعد مع قنبلة هيروشيما!
مر المنخفضان الأول فالثاني بخيرهما وشرهما، وإيجابياتهما وسلبياتهما، أما الطاقة التي سُخّرت في المرتين لمعاداة الإمارات فذهبت هدراً، لأن القوم المعتادين أن لا يروا أبعد من أرنبات أنوفهم فوّتوا فرصة مثالية للتطرق إلى الفاجعة الحقيقية المُحيقة بنا جميعاً، والتي لن تعترف بحدود سايكس-بيكو: التغيّر المناخي.
فثمة ارتباط وثيق بين ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الممارسات البشرية، وزيادة وتيرة العواصف والأعاصير وقوتها.
ببساطة، ترتفع درجة الحرارة، فيزداد تبخّر مياه المحيطات أكثر من أي وقت مضى. وترتفع رطوبة الهواء أيضاً، فيتمكن من حمل المزيد من البخار، مؤدياً إلى أمطار أغزر. كما أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات يغذي العواصف ببخار الماء والسخونة لتصبح رياحها أعتى.
لم تعد وتيرة العواصف تخفى على أحد في الخليج، حتى أنها ساهمت في الإمارات – مثلاً - في تبني "الخطة الوطنية لتغيّر المناخ" منذ 2017.
ولكن لا تسارعوا بالضحك بعد، فإنه التغيّر المناخي ذاته الذي جفف على الجانب الآخر دجلة والفرات، وجعل العواصف الرملية مشهداً معتاداً في مصر، ويعبث بمواسم الزراعة والحصاد في اليمن، وينشر الحرائق في غابات الجزائر.
الجرائم متعددة إذاً، ومتباينة، وإن كان المجرم واحداً.
بعيداً عن دناءة الشماتة، أعتقد أن المنخفض الجوي الذي ضرب الإمارات فتح باب التوعية الجادة حول تأثيرات التغيّر المناخي وعواقبه، والتي لا بد أنها تبدو متناقضة ومحيّرة لغير المطلّعين، إذ يتخيلون أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط فقط بالقحط والعطش، ويجهلون صلته بالفيضانات والغرق. أعتقد أن المنخفض الجوي أفسح المجال أيضاً لمواجهة المشككين والمكذبين بالتغيّر المناخي، وإخضاعهم للواقع، ودحض نظريات مؤامرتهم.
ولكن للأسف، ظل أقصى همّ البعض في التهكّم على تسرّب الأمطار إلى "دبي مول" وكأنما لسنا "في الهوى سوى" أمام التغيّر المناخي.