النهار

من يصنع السياسات في الجزائر؟
أزراج عمر  
المصدر: النهار العربي
في التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، مؤخّراً للصحافة الجزائرية، قال إنّ الاستثمار هو مفتاح التنمية المستدامة في الجزائر.
من يصنع السياسات في الجزائر؟
الرئيس الجزائري ووزراء في حكومته.
A+   A-
في التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، مؤخّراً للصحافة الجزائرية، قال إنّ الاستثمار هو مفتاح التنمية المستدامة في الجزائر. ثم ذكَّر الإعلاميين بلقاءاته مع الرئيس عبد المجيد تبون خلال السنتين الماضيتين، مشيراً إلى أنّها ركّزت على البعد التنموي للاستثمار.
 
لكن مولى لم يرسم خريطة لمجالات الاستثمار الذي تحدث عنه، كما أنّه لم يقدّم أية توضيحات حول الاستراتيجة الجزائرية لإنجاز وثيقة مفصّلة ومؤسسة على القراءة الواقعية لمشكلات الاقتصاد الجزائري ولأزمات الواقع المجتمعي ذات الطابع الهوياتي والثقافي والسياسي، علماً أنّ هذه الجوانب ليست معزولة في جزر بل هي تؤثر مجتمعة بشكل عميق في مسار التنمية الوطنية، حيث لا يمكن الفصل بينهما إطلاقاً.
 
وفي الحقيقة، فإنّ الحوار الذي أجرته صحيفة "الشروق اليومي" الأسبوع الماضي مع رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، لم يتضمن تحليلاً دقيقاً للعقبات الكبرى التي عرقلت نمو الاقتصاد الجزائري، مثل الافتقار إلى التخطيط الذي يفترض أن يُسند إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية وذوي الخبرات والكفاءات في مجال التنمية المركبة التي تمسّ مختلف جوانب المجتمع الجزائري. وفضلاً عن ذلك، هناك نوع من عدم الحسم في خلق المناخ المشجع والمدعم بالقوانين التي بمقتضاها يمكن استقطاب المستثمرين المحليين، والأجانب الذين يملكون الخبرات، والشركات الكبرى والرساميل القادرة على ضخ دماء جديدة وإحداث الفروق النوعية على طريق تحديث وعصرنة التنمية الوطنية.
 
في هذا السياق، يلاحظ الخبراء المتخصصون في شؤون التنمية الجزائرية، والذين يتابعون عن كثب واقع التأرجح السلبي لدى صّناع ومنفّذي القرارات التي تتعلق بالاقتصاد الوطني، والذي يؤخّر الانطلاق في حسم مشكلات المجتمع الجزائري، أنّ المسؤولين الجزائريين الذين يتحكمون في سياسات التنمية الوطنية لم يتنبهوا إلى قضية مفصلية أساسية، والتي تتمثل في ضرورة الإسراع في تجنّب الاعتماد الكلي على عائدات النفط فقط، واللجوء إلى بدائل أكثر نجاعة، مثل العمل بآليات تنويع مصادر ومحفزات النمو الاقتصادي الذي يشترط بطبيعة الحال التكوين التدريجي للإطارات ذات الكفاءة العلمية والتقنية، والمهنية، والفكرية، وذلك وفق خطة محكمة ومدروسة يُكلّف بها أهل الاختصاص، بعيداً من احتكار المديريات المركزية البيروقراطية والوزارات، والتي تتميز مع الأسف بالانشغال بالاجتماعات والبروتوكولات التي أثبتت التجارب عدم جدواها اقتصادياً وثقافياً ومهنياً، وتحكماً في الأزمات التي تظهر هنا وهناك منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.
 
وإلى جانب ذلك، فإنّ هؤلاء الخبراء يأسفون لعدم اهتمام الدولة وأجهزتها المختلفة بالدراسات العلمية التي هي من اختصاص مراكز وفرق الدراسات الاستراتيجية التي تعتمد في عملها على القراءة الصحيحة أولاً لشبكة نقاط الضعف والقوة للواقع الوطني، وعلى صنع الحلول الجادة والملموسة للمشكلات المحورية التي تتسبب في تعميق الأزمات الاجتماعية، مثل البطالة، التي ما فتئ النظام الجزائري يحاول أن يقضي عليها بواسطة آلية مرتجلة محصورة في تقديم القروض للعاطلين من العمل، الأمر الذي يعني ترسيم آفة البطالة التي تعصف بالشباب الجزائري على نحو خاص.
 
إنّ مرحلة عبد العزيز بوتفليقة قد حاول فيها أيضاً القضاء على تراكمات العشرية الدموية، ومنها ظاهرة انتشار العاطلين من العمل على مستوى شرائح العمال والفلاحين والمدرّسين، وأيضاً على مستوى أطوار التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي والمهني ومنظومة التعليم العالي بمختلف شِعبه وتخصصاته، ولكن فشل فشلاً ذريعاً بسبب الاعتماد على تقديم القروض للشباب العاطل لإنشاء المؤسسات الاقتصادية والتعليمية وغيرها، في إطار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب "لونساج"، بلا اعتماد على الدراسات الاستراتيجية التي تتمثل مهمّتها في تشخيص المشكلات التي تنبئ بالأزمات، والأساليب العلمية التي تفكّك بؤر الأزمات وتقترح بالتالي الحلول الجذرية التي تضمن الخروج منها إلى برّ الأمان.
 
وفي هذا السياق، أكّد المفكر التونسي الدكتور عفيف البوني، وهو الباحث في تاريخ الأفكار والمؤسس والمدير السابق لمجلة قضايا استراتيجية، "أنّ دولة مثل الجزائر، قياساً لمساحتها الكبيرة وحجم ثرواتها وموقعها الجيواستراتيجي، وقياساً لتاريخها القريب، بخاصة في عهد الاستعمار وبعد الإستقلال، هي هدف لأطماع كثيرة من قوى كبرى، وهي في أمسّ الحاجة إلى مراكز وإلى مجلات متخصصة في الدراسات الاستراتيجية، التي يجب أن يكون أصحاب الكفاءات العاملون فيها متمتعين بصفات الاستقلالية والحياد السياسي والنزاهة.
 
إنّ مراكز ومجلات من هذا القبيل هي عيون ثانية ودقيقة للدولة، ترى فيها ما لا تراه أجهزة تلك الدولة أحياناً كثيرة... علماً أنّ "نجاح واستمرار مراكز ومجلات الدراسات الإستراتيجية يعتمد على أن يكون العاملون فيها على دراية بمجريات الأحداث في العالم الراهن، وبما هو ثابت وبما هو متغيّر وبما يمكن أن يكون من التوقعات بالمفهوم الاستراتيجي... وطبعاً أن تتوفر أيضاً القدرات المالية والمراجع العلمية وإمكان التواصل والانتقال، للبحث عن المعلومة الدقيقة والتوثيق بالسرعة المطلوبة، حيث أنّ الدول لا تضع أو تخطط سياساتها، ولا تضمن نجاحها، من دون الاعتماد على ما ذكرت".

اقرأ في النهار Premium