تحلّ اليوم ذكرى نكبة فلسطين الـ 76، وطعمها أمرّ من أي وقت مضى. فنكبة 1948 التي شهدت ولادة دولة إسرائيل على أنقاض الحق العربي الفلسطيني التاريخي، شكلت الطعنة التي غرزت في جسد هذا الوطن العربي من الخليج إلى المحيط.
مرت ثمانية عقود تقريباً، وشهدت منطقتنا مسلسلاً لا ينقطع من الأحداث الدراماتيكية. من نكبة 1948، إلى حرب السويس 1956، فنكسة 1967، فاجتياح لبنان 1982، وصولاً إلى النكبة الثانية في غزة 2023 التي قد تدخل التاريخ بوصفها نكبة لا تقل أثراً عن النكبة الأولى، لا بل إنها بنتائجها حتى الآن، وتداعياتها، وآثارها المديدة قد تصنف على أنها الأخطر بعد 1948. والأهم أنها الأكثر دموية، حيث الخسائر البشرية بين المدنيين مهولة، والدمار مفزع، والمستقبل قاتم.
في بداية الحرب التي شنتها إسرائيل على حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية المقاتلة في قطاع غزة، وصف مسؤولوها الكبار، كعضو مجلس الحرب بني غانتس، الحرب على غزة رداً على عملية "طوفان الأقصى" بأنها بمثابة "حرب استقلال إسرائيل الثانية" بعد 1948. هذا الكلام جرت استعادته من قبل مختلف الشخصيات في المستويين السياسي والأمني باعتباره إعلاناً عن أن الحرب بالنسبة لإسرائيل وجودية.
انقسمت القراءات في العالم العربي بين من رأى أن "عملية طوفان الأقصى" هي الفصل الأول في كتاب تحرير فلسطين، وبين من رأى أن النتائج التي تمخضت عنها عملية حركة "حماس" العسكرية في غلاف غزة في السابع من تشرين الأول(أكتوبر) 2023، والرد الإسرائيلي وآثاره على البشر والحجر في غزة، نكبة حقيقية، بل ذهب البعض إلى اعتبارها النكبة الحقيقية.
أياً يكن الأمر فإن نظرة سريعة على الأرقام غير النهائية المسجلة لغاية اليوم تشير إلى 150 ألف ضحية بين شهيد ومصاب. 90 ألف مبنى إما مدمّر كاملاً أو جزئياً، ومعظم القطاع مجدداً تحت الاحتلال. هذا وحده كاف، وبصرف النظر عن الحساسيات السياسية أو الفكرية في صفوف النخب الفلسطينية والعربية، للوقوف قليلاً وإجراء مراجعة واقعية، عقلانية ومنطقية لما آلت اليه أحوال الشعب الفلسطيني بعد "طوفان الأقصى"، ومن أجل الإجابة على السؤال الآتي: هل كانت انتصاراً أم نكبة؟