لم أكن لأعي ماذا حدث، ولم أدر أين هو ذلك البيت الأبيض الذي يثرثر عنه الكبار، ومن قرر صبغه بالأبيض في ظل وجود كل هذه الألوان الجميلة في علبة أقلامي الشمعية، أو لماذا الكبار مصدومون وخائبو الأمل. ولكني سمعت الكثير – حتى في ذلك العمر الصغير - عن مونيكا لوينسكي التي لم أعرف – بطبيعة الحال - من تكون. "رخيصة"، "فاجرة"، "منحلة".
علمت تلقائياً بأنها امرأة سيئة بالضرورة، حتى لو تخيلت بعقليتي الطفولية أن خطيئتها كانت دلق العصير على السجاد الذي لا بد أنه كان أبيض بدوره.
"الرخيصة"، "الفاجرة"، "المنحلة"، هي اليوم الوجه الإعلاني لإحدى ماركات الملابس، وتكتب المقالات وتلقي بالخطابات في منصة "تيد" ضد التنمر، وحملات إلحاق العار العلنية بالأفراد.
لقد انقلبت السردية العامة هناك في الغرب حيال لوينسكي ليشوبها الكثير من التفهّم والرأفة. تنبّهوا إلى أن "الرخيصة"، "الفاجرة"، "المنحلة"، كانت في الواقع في علاقة سرية تتباين فيها موازين القوى تبايناً صارخاً ومخيفاً، فهي متدربة في الـ22 من العمر، لا يعرفها أحد، وقابلة للاستبدال في أي لحظة، وهو رئيس أقوى دول العالم!
والملاحظ خلال السنوات القليلة الماضية، أن رد الاعتبار في الوعي الجمعي الغربي، أو في ثقافة البوب الغربية، لم يقتصر على لوينسكي.
"رخيصة"، "فاجرة"، "منحلة" أخرى تستحق الذكر، ومن تلك الحقبة تحديداً لأواخر التسعينات، هي باميلا آنديرسون، الممثلة والعارضة في مجلات الإغراء.
فقدت آنديرسون سمعتها واحترامها حينما تم تسريب شريط جنسي لها مع تومي لي، زوجها آنذاك، وقد تفنن الإعلاميون في مسح البلاط بكرامتها.
وحتى سعيها لاستعادة حقوقها باء بالفشل حين اضطرتها ظروف الحمل، وخوفها من فقدان الجنين جرّاء التوتر الشديد، إلى الاستسلام في معركتها القضائية ضد الشركة الموزّعة للشريط. بل تذكر آنديرسون حادثة وجدت فيها جميع خصومها من الشركة يرفعون صورها العارية. "أنتِ في مجلة بلاي بوي الإباحية"، ذكّرها المحامي، "لا حق لكِ في الخصوصية".
حتى "رخيصة"، "فاجرة"، "منحلة" مثل آنديرسون تحفّها الآن سردية مغايرة، وينظر إليها الغربيون بالإعجاب والتقدير، فهي الضحية التي سُرق الشريط الخاص من منزلها، وهي الحرة التي عوملت كالجارية في سوق النخاسة، حيث لا رأي لها في كيفية التعبير عن جنسانيتها، ولا ملكية لها على جسدها.
تدفعني هذه التحولات الملحوظة للتساؤل عما إذا كان ثمة نساء عربيات مشهورات أيضاً يستحققن اليوم أن يُرد إليهن اعتبارهن، فيُعوضن عن الظلم وتشويه السمعة والتضييق والتعهير وسوء الفهم؟ هل ثمة نساء ندين لهن بالاعتذار، ولو بالنيابة عن آبائنا وأجدادنا؟ هل ثمة "رخيصة"، "فاجرة"، "منحلة" من بيننا لم تكن سوى إنسانة تتوق للحياة؟
بالنسبة إلي، لا يمكن حصر هؤلاء "المغدور بهن" من دون أن تتصدر الفنانة السعودية عتاب القائمة، وهي التي عاصرت - لتعاسة حظها - الصحوة الإسلامية، فاضطرت إلى مغادرة وطنها، والتغريد في الغربة.