لا تزال تركيا واليونان تبنيان على أجواء الإنفراج التي أفرزتها مبادرة أثينا لتقديم المساعدة لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في السادس من شباط قبل أكثر من عام.
"ديبلوماسية الزلازل" كما عرفت في وقتها، فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين والعضوين في حلف شمال الأطلسي، ومهدت لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأثينا في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، ولزيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس لأنقرة الإثنين، من دون أن يعني هذا أن الجانبين اللذين كادا يذهبان إلى حرب عام 2020 بسبب التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، قد تغلبا على كل المشاكل المتراكمة بينهما منذ عقود.
وأتت قمة أنقرة الإثنين بمثابة اختبار للروح الإيجابية التي تولدت من قمة أثينا، وإعلان أردوغان وميتسوتاكيس سلوك الحوار سبيلاً لحل المشاكل الكثيرة، التي تبدأ من النزاعات في بحر إيجه إلى قبرص وشرق المتوسط وصولاً إلى الموروث الثقافي.
وفي قمة أثينا، اتفق الزعيمان على تنحية الخلافات الشائكة جانباً، وبدء العمل على بناء الثقة انطلاقاً من تعزيز التبادل التجاري والتعاون في مجال الطاقة. ووقعا إعلاناً حول "علاقات الصداقة وحسن الجوار بينهما مع إقرارهما بأهمية الاحترام المتبادل والتعايش السلمي".
ان تدعيم الاستقرار في شرق المتوسط بينما تستعر نيران حرب أخرى في أوكرانيا، يحظى باهتمام جدي من الجانبين. وعلى رغم أن أردوغان وميتسوتاكيس لديهما رؤى مختلفة للحرب الإسرائيلية على غزة، فإن ذلك لم يمنع اتفاقهما على أن الحرب يجب ألا تتوسع وابداء الحرص على عدم تفجر نزاعات أخرى في المنطقة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلكنت بأنقرة أيونيس غريغورياديس أن الزعيمين "يتطلعان إلى "توسيع الأجندة الإيجابية والنظر إلى الملفات التي يمكن لكل جانب الخروج منها بصيغة رابح-رابح" على غرار التجارة والسياحة والهجرة.
واعتبر المحلل البارز للشؤون التركية في مجموعة الأزمات الدولية بريكاي مانديراجي أن البلدين "منخرطان في ديبلوماسية مكثفة على جبهات مختلفة منذ أكثر من عام". ويتوقع أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى فتح جولة من المفاوضات المتعلقة بالنزاع بينهما في بحر إيجه.
وبحسب الأستاذ في جامعة بانتيون بأثينا أليكسيس هيراقليدس فإنه "طالما لم يتوصل الجانبان إلى معالجة النزاع في بحر إيجه، فإن العلاقات ستبقى تتأرجح بين تقدم وتراجع". وشدد ميتسوتاكيس في مقال نشرته صحيفة "ميلييت" التركية الأحد على ضرورة مواجهة ما وصفه بـ"التحديات المشتركة" مثل تدفق المهاجرين في بحر إيجه.
وربما كبادرة حسن نية، كان قرار أثينا تسهيل منح السياح الأتراك تأشيرات دخول لزيارة عشرة جزر يونانية قريبة من الأراضي التركية في بحر إيجه. إجراء مثل هذا كان يتطلب الحصول على تأشيرة "شينغن" الخاصة بالدخول إلى دول في الاتحاد الأوروبي.
وباتت العلاقات التركية-اليونانية عند نقطة تخيم عليها الصراحة وقول الأمور كما هي. وهذا ما برز لدى اعراب ميتسوتاكيس عن استيائه من تحويل السلطات التركية مؤخراً، كنيسة المخلص الأرثوذكسية الأثرية في خورا بمدينة اسطنبول إلى مسجد كاريه. وحاول أردوغان التقليل من الخطوة على اعتبار أنّ "مسجد كاريه بشكله الجديد سيبقى مفتوحاً للجميع".
والمهم أن أنقرة وأثينا قررا جعل الحوار سبيلاً للتوصل إلى تفاهمات وبناء الثقة. وهما تترجمان عملية التقارب في زيادة حجم التجارة بين البلدين من ستة مليارات دولار إلى عشرة مليارات دولار هذا العام.
ولا بد من الإشارة إلى أن التقارب التركي مع اليونان، يأتي في وقت علقت أنقرة التبادلات التجارية مع إسرائيل، بسبب الحرب المدمرة التي تشنها على قطاع غزة.