حرب ظلال قاسية يخوضها الغرب وروسيا في إفريقيا. وحده السلام لا يتكلم في هذه الحرب، التي يستخدم فيها الطرفان كل الأدوات الاقتصادية والأخلاقية والمعلوماتية والرقمية الممكنة لسحق بعضهما البعض. لكن السلاح الأقوى في هذا الصراع هو الدعاية والمعلومات المضلّلة، التي لعبت خلال السنوات الأخيرة، دوراً رئيسياً في الحملات السياسية وأزمات الصحة العامة والصراعات ودعم الانقلابات في القارة وفي العالم.
هذه المركزية التي تحظى بها هذه الأداة دفعت قطاعاً واسعاً من المجتمع الأكاديمي في الغرب وروسيا وإفريقيا إلى الاهتمام بها، لدواعٍ علمية واستراتيجية وسياسية. ومن بين الأدبيات الحديثة في الموضوع نجد دراسةً جماعية أعدّها كل من غيوم سوتو مايور، وأدمير ماري، وفالديز أونانينا، ونُشرت قبل أسابيع، تفحص الدور الذي تلعبه المعلومات المضلّلة في الصراع بين الغرب وروسيا في القارة وحولها.
على الرغم من أن الاهتمام بالمعلومات المضلّلة يتركّز على وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا أن هذه الظاهرة ليست جديدة في إفريقيا. فهي منتشرة تاريخيًا في الصحف والتلفزيون وغيرها من أشكال وسائل الإعلام التقليدية. خلال الفترة الاستعمارية، لعبت المعلومات المضلّلة دوراً مهمّاً في تشكيل السرديات الاستعمارية وإدامة السيطرة على المجتمعات الإفريقية.
استخدمت القوى الاستعمارية أساليب مختلفة لنشر المعلومات الكاذبة والتلاعب بالتصورات، بما في ذلك نشر الصور النمطية والأساطير العنصرية حول الثقافات والشعوب الإفريقية، وفقًا لمصالحها. وقد أدّى هذا التلاعب بالمعلومات إلى إدامة ديناميكيات القوة غير المتكافئة وتآكل الهوية الثقافية واحترام الذات لدى المجتمعات الإفريقية. كما تمّ استخدام المعلومات المضلّلة لقمع حركات المقاومة وإسكات أصوات القادة الأفارقة والمثقفين المنشقين. لقد ترك تأثير المعلومات المضلّلة خلال الحقبة الاستعمارية إرثاً، وشكّل تصورات وروايات لا تزال تؤثر على المناقشات المعاصرة حول تاريخ إفريقيا وتطورها، على سبيل المثال معرفتها.
شهدت حقبة ما بعد الاستعمار في إفريقيا تكييف واستمرار استراتيجيات التضليل هذه، وإن كان ذلك في سياقات متطورة ونفّذتها جهات فاعلة جديدة. مع حصول معظم البلدان الإفريقية على استقلالها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وفّر الصراع على السلطة وتشكيل حكومات ما بعد الاستقلال أرضاً خصبة للتلاعب بالمعلومات. وقد انخرطت الفصائل السياسية، المحلية والأجنبية، في حملات تضليل لتشكيل الرأي العام، وزعزعة استقرار الحكومات، وتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية.
واصلت القوى الاستعمارية السابقة ممارسة الضغط على أنظمة الحزب الواحد الصديقة، وسيطرت في كثير من الأحيان على قنوات الإذاعة والتلفزيون الحكومية. لقد تمّ استخدام المعلومات المضلّلة كأداة لتقويض المعارضين السياسيين، ونشر روايات كاذبة حول الفصائل المتنافسة، وزرع الفتنة داخل الدول المنشأة حديثاً. على سبيل المثال، أثناء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في سبعينات القرن العشرين، استخدمت الحكومة آنذاك أموال دافعي الضرائب لتمويل حملة تضليل جيدة التنظيم عُرفت باسم "فضيحة المعلومات" أو "مولدر غيت". قامت دولة الفصل العنصري بتمويل صحيفة "سيتيزن" لتحسين صورتها على المستوى الدولي. ونتيجة لهذه الفضيحة، سقط رئيس الوزراء جون فورستر وتولّى بيتر ويليم بوتا منصبه.
وزادت ديناميكيات الحرب الباردة من تكثيف هذه الجهود، حيث سعت القوى العالمية إلى ممارسة نفوذها والسيطرة على الحكومات الإفريقية المنشأة حديثاً. تستخدم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الدعاية والمعلومات المضلّلة لتعزيز أجندتهما الجيوسياسية. وكانت عواقب هذه الحملات كبيرة. فقد قوّضت الثقة في المؤسسات المنشأة حديثاً، وأعاقت الجهود الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز الحكم الديموقراطي.
ويستمر تأثير المعلومات المضلّلة خلال هذه الفترة الحرجة في تشكيل المشهد السياسي في إفريقيا. فقد لعب التقدّم في مجال الهاتف المحمول، حيث امتلك 85% من الأفارقة هاتفاً محمولاً في عام 2018، مقارنة بنحو 1% فقط في عام 2000، دوراً أساسياً في تنامي وصول المعلومات للناس. وقد أدّى هذا النمو المذهل إلى تغذية العديد من المشاريع التي تهدف إلى توسيع الشبكات الخليوية وشبكات الألياف الضوئية عبر القارة، ما أدّى إلى إنشاء أول مصنع للألياف الضوئية لعموم إفريقيا في المغرب في 2018.
وفي عام 2021، قدّر الاتحاد الدولي للاتصالات أن حوالى 33% من سكان إفريقيا، أي 1.37 مليار شخص، لديهم إمكان الوصول إلى الإنترنت، وأن حوالى 255 مليون شخص يستخدمون "فايسبوك". وقد أحدثت هذه الاتجاهات تغييراً جذرياً في الاتصالات ونشر المعلومات في القارة. لقد حدثت نقلة نوعية في الطريقة التي يتعامل بها الأفارقة مع التكنولوجيا.
ومن خلال تعزيز مصالحها ودعم حلفائها في القارة، تلعب القوى الدولية دوراً مهماً في انتشار المعلومات المضلّلة في إفريقيا. ومع ذلك، تعتمد هذه الجهات الفاعلة على ديناميكيات داخلية في مجال التضليل. وقد حظي استخدام روسيا للدعاية الرقمية في إفريقيا باهتمام خاص في السنوات الأخيرة، حيث استخدمت موسكو بشكل استراتيجي أساليب الدعاية للتأثير على الرأي العام والتلاعب بالعمليات السياسية في كل أنحاء القارة، بما في ذلك من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة.
وتعكس حملات الدعاية الروسية بذكاء إحباطات المواطنين، وتستغل مظالمهم ضدّ النخب الحاكمة وعدم ثقتهم في وسائل الإعلام التقليدية، حيث تسلّط الحملات الضوء بشكل خاص على الخطابات المناهضة للاستعمار (الجديد)، ومكافحة الاستغلال والتدخّل، والانحطاط الأخلاقي للغرب، فضلاً عن الحاجة إلى رجال أقوياء مثل فلاديمير بوتين. وكثيراً ما تستغل روسيا التناقضات السياسية والمعايير المزدوجة لخصومها، وبخاصة في ما يتعلق بتعزيز حقوق الإنسان والمعايير الديموقراطية. والرسالة الرئيسية هنا هي أن الدول الإفريقية سوف تستفيد من النأي بنفسها عن مستعمريها الأوروبيين السابقين ومن تطوير علاقات أوثق مع روسيا.
في المقابل، تستخدم فرنسا والولايات المتحدة المعلومات المضلّلة في إفريقيا على نحو متزايد. وقد تورط كلا البلدين في استخدام أساليب التضليل لتعزيز مصالحهما الجيوسياسية والاقتصادية في القارة. في كانون الأول (ديسمبر) 2020، أعلن "فايسبوك" عن إزالة الحسابات الزائفة التي قال إن عملاء فرنسيين يديرونها وتستهدف مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد سعت حملات التضليل أيضاً إلى تشكيل السرد حول السياسة الفرنسية والوضع الأمني في البلاد. كما لعبت الشركات الغربية دوراً مهماً في ظهور ونشر حملات التضليل واسعة النطاق، مثل شركة "كامبريدج أناليتيكا" الإنكليزية، التي لم تعد موجودة الآن، والتي صمّمت حملة تضليل واسعة خلال الانتخابات الرئاسية في نيجيريا في عام 2015، ودعمت إعادة انتخاب الرئيس أوهورو كينياتا في كينيا.
وبدرجة أقل، تُتهم تركيا باستخدام أساليب التضليل لتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية في إفريقيا. ومن خلال وسائل الإعلام المرتبطة بحكومتها، وغالباً ما تركّز حملات التضليل التركية على الترويج لصورة إيجابية للبلاد، وتسليط الضوء على مبادراتها التنموية والتقليل من أهمية الانتقادات الموجّهة لحكومتها.