النهار

حتى تقرر إيران ماذا تريد... لن ينتظر العالم!
يوسف بدر
المصدر: النهار العربي
إن انضمام إيران الى معاهدة مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) مسألة ضرورية لدعم تجارتها الخارجية، مع ذلك لا يزال هذا الملف في مراوحة بين مجلسي صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام، ولا يعرف الإيرانيون مصيره.
حتى تقرر إيران ماذا تريد... لن ينتظر العالم!
مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران.
A+   A-
تعيش إيران أزمة داخلية في اختيار قراراتها، وهو ما يضعها دائماً أمام مشاريع غير مكتملة، أو أن تكون خطواتها بطيئة نحو أهدافها. ولذلك فإن تذرعها بالعقوبات الغربية هو مظلة كبرى للتغطية على الأخطاء كافة، إذ يؤكد خبراؤها أن أزمات الداخل أثرها أخطر من مسألة العقوبات على الاقتصاد وحياة المواطن الإيراني. 
 
استغراق في الوقت
إن انضمام إيران إلى معاهدة مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) مسألة ضرورية لدعم تجارتها الخارجية، مع ذلك لا يزال هذا الملف في مراوحة بين مجلسي صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام، ولا يعرف الإيرانيون مصيره، سوى أن المتطرفين والمتربحين من العقوبات يعارضونه، لأنهم قلقون من كشف أموالهم وعملياتهم من التهريب وغسيل الأموال، ويبررون رفضهم باسم الدفاع عن مبادئ الجمهورية الإسلامية وباسم محاربة هيمنة القوى الغربية وأدواتها الاقتصادية!
 
مثال آخر على استهلاك الوقت لدى الإيرانيين، فمنذ أشهر والجدل دائر بين المنابر السياسية والدينية حول مشروعية قبول "يوم السبت" عطلة أسبوعية إضافية بدلاً من "يوم الخميس"، وإن كان البرلمان الإيراني قد وافق على ذلك، وهو مؤشر جيد إلى رغبة الإيرانيين في دمج اقتصادهم بالنظام العالمي، بأن يزيدوا عدد أيام ارتباطهم بالاقتصاد الخارجي من ثلاثة إلى أربعة أيام، ومؤشر أيضاً إلى رغبة القيادة العليا (مكتب الإرشاد) في ذلك القرار، إذ لم تكن تتم الموافقة عليه إلا بعد ضوء أخضر من جانب المرشد الأعلى. 
 
لكن ذلك القرار ذهب إلى مجلس صيانة الدستور (بمثابة المحكمة الدستورية) ليلقى مصيره إلى جانب سابقه (فاتف) العالق في مجلس تشخيص مصلحة النظام (بمثابة مجلس الشيوخ)، ليتضح للعالم أن إيران تعيش أزمة في اتخاذ قراراتها، بسبب تركيبتها الداخلية المتشددة التي ساهمت بالأمس في تدمير الاتفاق النووي، وذلك بإثارة مخاوف القوى الإقليمية، ومنذ ذاك اليوم وطهران منشغلة بالمفاوضات والكلام أكثر من الاتفاق والأفعال. 
 
جوار قلق
إن كانت إيران تسعى لهذه العطلة الإضافية لدعم تقاربها مع دول جوارها في الخليج التي تتخذ "السبت" عطلة أيضاً، وذلك استعداداً لرفع العقوبات الغربية عنها أو على الأقل الحصول على تغاض أميركي عن التبادل التجاري مع الموانئ والمصارف الخليجية.
 
فطهران بحاجة أولاً إلى إبداء استراتيجية معلنة وشفافة ومستقرة حتى تشعر دول جوارها بإمكان نجاح أي علاقة معها، فمُصالحتها مع السعودية لا تزال لم تبرح الجانب الدبلوماسي وأحاديث متكررة عن استثمارات متبادلة وإنشاء مجالس استثمارية وغرف تجارية مشتركة، بينما الدول العربية لا تزال تتوجس خيفة من قرارات طهران، إذ إن القاهرة لم تمنح الإيرانيين إلا تأشيرة دخول للشركات السياحية إلى منطقة جنوب سيناء، بينما وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، يؤكد على هامش ملتقى الحوار الإيراني - العربي، في طهران، أن النظرة الإيرانية الاستراتيجية إلى الحوار الإقليمي تشمل مصر. 
 
ولا يمكن لطهران الحديث عن نظرة استراتيجية تجاه الدول، بينما سياستها الخارجية لا تزال مرهونة بأزمات الداخل وطريقة تفكير تعتمد على انتظار الطرف الثاني حتى يقرر الإيراني ماذا يريد! وهذه الطريقة البطيئة في التفكير هي ما يجعل السياسي الإيراني يصرخ في صُحفه اليومية بسبب ابتعاد التجارة الدولية عن بلاده بالذهاب إلى ممرات بديلة ومنافسة مثل "ممر التنمية" الذي يربط موانئ العراق بأوروبا عبر تركيا.
 
رغبة مُرغمة
أيضاً، إذا نظرنا إلى المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، والتي تتم سراً بوساطة عمانية، فإن تلك المحادثات لا تعبر عن رغبة إيرانية جادة في العودة إلى الاتفاق النووي، فإن كان ترامب قد خرج من هذا الاتفاق عام 2018، فإن التيار المحافظ في إيران قد بارك هذا الخروج!
 
إن التوصل إلى اتفاق موقت بين واشنطن وطهران هو الأقرب من التوصل إلى اتفاق دائم، بسبب عقلية الإيرانيين القلقة، وإن كان "يوم النهاية" (انتهاء بعض بنود الاتفاق النووي في 18 تشرين الأول-أكتوبر) يلاحقهم وتفزعهم عودة التهديدات باستخدام "آلية الزناد" لإعادة العقوبات الدولية على بلادهم.
 
ولذلك كل ما تفعله طهران هو الاستثمار في الرغبة الأميركية، لتمنع إعادة فرض تلك العقوبات على اقتصادها، إذ إنها ترحب بزيارات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وتطلق الوعود بشأن القضايا العالقة مع الذرية الدولية، حتى تحصل في النهاية على تقييم إيجابي عند اجتماع مجلسي حكام الوكالة الدولية، يومي 3 و7 حزيران (يونيو) المُقبل في فيينا، ما يمهد لاتفاق مع واشنطن أو على الأقل إبعاد فوهة مجلس الأمن الدولي عن رأسها.
 
وتدرك طهران جيداً رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن، في الحفاظ على الحلول الدبلوماسية معها، وأنه يرغب في استخدام هذه الحلول بمثابة قنابل انتخابية أمام غريمه الجمهوري دونالد ترامب، قبل مناظرتَي الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) خلال هذا العام.
 
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق محصن قبل رحيل بايدن، فإن طهران ستظل تحرث في البحر، فإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه لن يقدم أي تنازلات للإيرانيين، وسيفرض عليهم المزيد من الشروط، ما يجعلنا نتوقع احتمالات قاسية. وكذلك هناك مخاطرة أن تخسر إيران ما حققته من علاقات مع دول جوارها، ما يعني عودتها إلى المربع صفر إذا ما استمرت أزمتها في اختيار قراراتها.

اقرأ في النهار Premium