عندما تُذكر مفردة "مبادرة" في الإعلام تتبادر إلى الأذهان الجهود السياسية لنزع فتيل الأزمات. غير أن المبادرة في الواقع عبارة عن مشاريع أو برامج أو إجراءات جديدة تُطرح لتحقيق أهداف معينة أو تحسين جوانب محددة في المجتمع أو بيئات العمل، ولذلك خلّد التاريخ مبادرات عدة إدارية، وتعليمية، وصحية، واقتصادية، إلى جانب السياسية.
لا تعني المبادرة أنها عمل غير ربحي بالضرورة، فهناك مبادرات تجارية واقتصادية تتطلع إلى تحقيق مردود مالي لجيوب المساهمين أو الخزينة العامة للدولة، غير أن المبادرات ربما تميل نحو توافر عنصر المنفعة المتبادلة بين الطرفين. ففكرة رفع الضرائب على دخول الأثرياء يُرجى منها في الأصل تحقيق مداخيل جيدة للدولة لتحسين الخدمات العامة والإنفاق المدروس على ذوي الدخول المتدنية. وقد تنبع المبادرة من المؤسسات والأفراد على حدّ سواء.
ولذلك، فإن المبادرات تتطلّب تخطيطاً جيداً، وتمتاز بأن روحها استباقية، فهي مدفوعة بالرغبة في إحداث تغيير ما أو تحسين ما يُقدّم.
من المبادرات الصحية تلك التي أطلقها بيل غيتس قبل جائحة كورونا ببضع سنوات، إذ ألمح إلى خطورة ما سيقع إن تعرضت البشرية لوباء فتّاك، ونادى بوسائل التطعيم عبر منظمته الخيرية. غير أن أحداً لم يعره اهتماماً يُذكر. ومن المبادرات الأخرى الحزام والطريق (الصينية)، والطاقة المتجددة، وتقليل الانبعاثات الكربونية الضارة، ومحو الأمية، وتمكين المرأة، وأتمتة المعاملات الحكومية، وتحسين بيئات العمل ورفع الإنتاجية وغيرها.
كما أن من صميم التخطيط الإداري ما يُسمّى بالمبادرات Initiatives، وهي كل ما يمكن أن يُطلق له العنان من مشاريع لتحقيق الأهداف الموضوعة. ويُقاس مدى تحقق الأهداف والمبادرات عبر مؤشرات أداء دقيقة KPIs في كل مجال.
ويبقى التوقيت عنصراً حاسماً في نجاح المبادرات، لأن من خلاله نحسن الاستغلال الأمثل للفرص، والتكيّف مع التغيّرات، والحدّ من المخاطر. فكم من منتجات سبقت عصرها لكنها أخفقت لأنها لم تأت في الوقت المناسب. حُسن اختيار التوقيت يسهم في فرص نجاح المبادرات، ولذلك يترك بعض القياديين المشكلة حتى تستفحل ليتمكنوا من حلها أو بالأحرى يجدوا الجميع مستسلمين لقبول أي حل ينتشلهم من مستنقع المعاناة.
المبادرات قد تكون صحية أو بيئية أو تعليمية أو اقتصادية، غير أن شيئاً لن يحدث في بلد يفتقر للاستقرار السياسي الذي هو أساس كل المبادرات والأولويات.