على رغم أن استطلاعات الرأي لا ترجح فوز حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، غير أن رئيس الوزراء ريشي سوناك، اختار خوض غمار الانتخابات المبكرة في 4 تموز (يوليو) المقبل، وهو يدرك جيداً أن المزاج العام يبدو متحمساً للتغيير بعد 14 عاماً من حكم المحافظين.
كانت التوقعات بأن سوناك الذي لديه مهلة لإجراء الانتخابات تمتد حتى كانون الثاني (يناير) من العام المقبل، سيعمل على إرجاء موعد الاقتراع أطول مدة ممكنة، مع ترجيح إجرائها في تشرين الأول (أكتوبر) أو تشرين الثاني (نوفمبر)، وذلك بغية العمل على تحسين شعبية المحافظين، التي دلت أكثر من انتخابات فرعية على أن الحزب معرض لخسارة السلطة حتماً إذا أجريت الانتخابات اليوم.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "إيبسوس" الثلثاء، أن حزب العمال المعارض بزعامة كير ستارمر يتقدم على المحافظين بـ21 نقطة. ولم يتمكن حزب حاكم في بريطانيا من تجاوز فارق كهذا في الطريق إلى الانتخابات.
وبحسب ما قال جون كورتيس الذي يعتبر من المشرفين على أكثر استطلاعات الرأي صدقية، فإن احتمال أن يشكل العمال الحكومة المقبلة هو 99 في المئة.
ولطالما حض ستارمر، وهو مدعٍ عام سابق نقل "العمال" إلى موقع الوسط بعد اتهامات تعرض لها سلفه جيريمي كوربن بالتحول إلى اليسار، على إجراء انتخابات مبكرة.
وعاشت بريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي وانتشار وباء كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، سنوات من الفوضى السياسية، اذ تعاقب أربعة أشخاص على رئاسة الحكومة في غضون 8 أعوام. لكن على ماذا يراهن سوناك كي يدعو إلى تقديم موعد الانتخابات؟
لا بد من أن تكون المؤشرات الاقتصادية الأخيرة التي أفادت بتراجع التضخم إلى أدنى مستوى في الأعوام الثلاثة الأخيرة، هي الرهان الذي يتعلق به سوناك للبقاء في الحكم. ولهذا، كانت رسالته الأولى إلى الناخبين هي أن خطته للاقتصاد ناجحة، وأنه وحده القادر على تحويل هذا الاستقرار إلى انتعاش يستفيد منه الجميع. وبحسب آخر البيانات فإن التضخم انخفض إلى 2.3 في المئة، وهي النسبة المستهدفة.
والهجرة هي الموضوع الرئيسي الثاني الذي يحظى بالأهمية في بريطانيا. وسارع سوناك إلى إعلان أن أول طائرة لترحيل طالبي اللجوء ستنطلق إلى رواندا بعد الانتخابات فوراً.
لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، إذ أن المحافظين يعانون من انقسامات وفضائح داخلية أنهكت الحزب وجعلت قادته غير مطمئنين إلى مستقبلهم.
ومع ذلك، يرى محللون سياسيون أنه في عام 1992، كان المحافظون يأتون خلف حزب العمال في الاستطلاعات، ومع ذلك تمكن رئيس الوزراء المحافظ عامذاك جون ميجور من انتزاع فوزٍ ولو بغالبية ضئيلة.
ومنذ حصول المحافظين على فوز ساحق في 2019 تحت شعار "انجاز البريكست"، فإن شعبية المحافظين تراجعت في أوساط الجيل الشاب، وكذلك في أوساط المحافظين التقليديين في جنوب انكلترا وجنوب غربها، وخصوصاً بين الناخبين في المنطقة الصناعية في وسط انكلترا وشمالها. وعلى دعم هؤلاء اتكل بوريس جونسون في تحقيق فوزه الساحق في 2019، بحسب ما ترى صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية.
وتشتتت أصوات المحافظين عقب تكشف فضائح جونسون خلال اغلاقات وباء كورونا، فضلاً عن فشل خليفته ليز تراوس، التي أضطرت إلى الاستقالة بعد 44 يوماً فقط من تسلمها منصبها، وسط عجز واضح في معالجة التدهور الاقتصادي.
وعلى رغم أن سوناك نجح في ترسيخ الأسواق الاقتصادية، وقاد حكومة أكثر استقراراً من أسلافه، فإن منتقديه يقولون إنه لم يخرج باستراتجية مقنعة من أجل اعادة تنشيط الاقتصاد.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملكة ماري في لندن تيم بيل، فيرى في معرض تبرير دعوة سوناك إلى انتخابات مبكرة، أن القرار يمنحه ميزة المفاجأة. وأضاف أن "ذلك يجعل يبدو شجاعاً وليس ضعيفاً أو خائفاً".