ما زال 12 اتحاداً وطنياً لكرة القدم في آسيا، ومنها الإماراتي والسعودي والقطري، تنتظر استجابة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لمطالب تعود إلى شباط (فبراير) المنصرم، بحظر مشاركة منتخب إسرائيل في المسابقات الدولية، وذلك على خلفية الحرب على غزة.
يبدو أن الانتظار سيطول في ظل مماطلة الاتحاد الدولي، ومن الإفراط في التفاؤل عموماً التعويل على مؤسسة مثل "الفيفا"، ينخرها الفساد والعمل اللاأخلاقي، ويتغذّى على أحشائها.
ولكن حتى إن لم يأتِِ مطلقاً القرار بحظر المنتخب الإسرائيلي –وهو ما أتوقعه شخصياً، للأسف-، فهو لن يكون هزيمة لنا بالضرورة.
فقد تابعت من بعيد الجدل الكبير المحيط بمسابقة الأغنية الأوروبية "يورو فيجن"، حيث تعالت هناك أيضاً، وعلى مدار أشهر، الأصوات المنادية بحظر مشاركة الفنانين الإسرائيليين. أخفقت المطالب في نهاية المطاف، وشارك الإسرائيليون، ولكنهم للمرّة الأولى في تاريخ مشاركاتهم الممتدة منذ 1973 اضطروا إلى التدرّب على تقديم عروضهم وسط محاكاةٍ حرفيةٍ لصيحات الاستهجان الجماهيرية -!-، وكأنما أصبحت هذه الصيحات جزءاً من كلمات أغانيهم، أو روتين رقصاتهم.
لا تحظّر منتخب إسرائيل لكرة القدم إذاً، أيها "الفيفا"، ولا تحظّروا الرياضيين الإسرائيليين عموماً باختلاف ألعابهم واتحاداتهم، فلا أحسبنكم تتحلّون بالشجاعة الكافية أصلاً لاتخاذ هذا القرار الجريء.
بل دعوهم، لأني بت متيقنة من أن العالم، ذلك الذي طفح كيله ممن يحدّدون له في كل مرّة متى بالضبط يحق له "خلط الرياضة بالسياسة"، سوف يتكفّل بهم.
دعوهم لصافرات الاستهجان، وللهتافات المندّدة بالصهيونية، وللافتات المتعاطفة مع شعب غزة، وللأعلام الفلسطينية التي سوف ترفرف أمامهم مثل الكوابيس في المدرجات، وللكوفيات المرمية على الأعناق تارةً، والمعصوبة حول الرؤوس تارةً أخرى. دعوهم لمن سيحتشدون متظاهرين خارج الفنادق المستضيفة لبعثاتهم، ولمن سيطوقون الحافلات الناقلة لفرقهم ورياضييهم.
دعوهم لمن سيرفضون مصافحتهم في داخل الملاعب والحلبات كأنداد جديرين بالاحترام، وسيجدون الحافز كل الحافز للتغلب عليهم، وإلحاق الهزائم الرياضية النكراء بهم، و"الثأر" –ولو على طريقتهم- للمستضعفين في غزة.
ودعوا جماهيرهم أيضاً تفقد متعة السفر إلى الصالات والاستادات في الدول الأخرى بهدف حضور المنافسات الرياضية، وتشجيع المنتخبات الوطنية، لأنهم سوف يشعرون حتماً بانعدام الترحيب والود.
بصراحة، حينما يسألني أحد عن موقفي من عقوبة الإعدام، وأخبره بأني ضدّها، فإني أحرص على التنويه بأني فقط ضدّ منح المجرمين تذكرة "كبار الشخصيات"، والتي تتيح لهم أن يتوجّهوا بسهولة ويسر إلى الموت، وأن يتجاوزوا الطوابير الطويلة للندم والأسى والشعور بالنبذ وعذابات الضمير واحتقار الذات والتساؤل "ماذا لو".
ولهذا، لن أبتئس لو لم يتحقق الحظر الفوري والسريع للرياضيين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم. دعوا العالم الحرّ يحبسهم في زنزانة معنوية خانقة لا تختلف في الواقع عن زنزانة المعاقبين بالسجن مدى الحياة، زنزانة قضبانها الإقصاء والرفض والاستنكار، وجدرانها غضب الضحايا الأبرياء والمتعاطفين معهم.