النهار

نتنياهو والسنوار في زنزانة لاهاي
جو معكرون
المصدر: النهار العربي
في مخيّلة المحكمة الجنائية الدولية هناك زنزانة في لاهاي تتسع لكل من بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار. من دون مجلس أمن فعّال في الامم المتحدة وحرب باردة رادعة، هناك محكمة دولية تحاول ملء الوقت والفراغ في مجتمع دولي مأزوم يتعامل مع أحادية اميركية غير مهيمنة.
نتنياهو والسنوار في زنزانة لاهاي
لمحكمة الجنائية الدولية.
A+   A-
في مخيّلة المحكمة الجنائية الدولية هناك زنزانة في لاهاي تتسع لكل من بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار. من دون مجلس أمن فعّال في الامم المتحدة وحرب باردة رادعة، هناك محكمة دولية تحاول ملء الوقت والفراغ في مجتمع دولي مأزوم يتعامل مع أحادية اميركية غير مهيمنة. حرب غزة تترنح في هدنتها والمحكمة تساوي بين الحكومة الاسرائيلية وحركة "حماس"، وتصدر أوامر مفترضة لتوقف اسرائيل عمليتها العسكرية في رفح بعدما تردد البيت الابيض في فعل ذلك مع العلم أن لدى واشنطن أكثر أوراق الضغط فعالية، وهي تمويل الحرب وتدفق ذخائرها.
 
الحكومة الاسرائيلية نجحت في تدمير قطاع غزة ومعاقبة المدنيين فيها لكن لم تنجح حتى الآن في تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الحرب، وهي تحرير الرهائن الإسرائيليين وتقويض "حماس". تحت الضغوط الدولية، إسرائيل غير قادرة على الاستمرار في مقاربة "الأرض المحروقة" عبر استغلال تفوقها الجوي ولا هي قادرة على إعادة نشر جنودها بشكل مكثف لتفادي سقوطهم قتلى بشكل يومي، وحتى الآن لم تجد طريقة لدخول الأنفاق لتقويض البنى التحتية لقيادة حركة "حماس".
 
هذا العجز دفع نتنياهو للسيطرة على معبر "رفح"، والآن هو تحت ضغوط أميركية ليتواصل مع الحكومة المصرية لاعادة فتح المعبر ومواصلة تدفق المساعدات الانسانية.
 
نتنياهو الذي يحاصر غزة أصبح تحت حصار شامل، من ضغوط الداخل الإسرائيلي الى التحوّلات في المزاج الدولي. الفيتو المُزمن الاسرائيلي على أي اعتراف دولي رمزي بالدولة الفلسطينية يتلاشى، والآن هناك اجماع دولي بدأ يتبلور حول هذه المسألة يتعارض مع الموقف الأميركي الذي يتمسك بالقول بأنه لا ينبغي إنشاء الدولة الفلسطينية إلا من خلال تسوية تفاوضية.
 
قضائياً، المعركة أصبحت خارج قدرة إدارة بايدن على إدارتها، أو على الأقل أبعد من الإدانة لم تبد واشنطن خلال الأسابيع الماضية رغبة جدية بالتأثير على قرارات المحكمة، ربما كورقة ضغط إضافية تستخدمها مع نتنياهو. هناك ما يشبه الاقتناع الدولي بمذكرات اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت باستثناء بريطانيا وأميركا حيث يدرس الكونغرس حالياً مشروع قانون "مكافحة المحكمة غير الشرعية" الذي يسعى من خلاله فرض عقوبات على كبار مسؤولي المحكمة الجنائية ومنعهم من دخول أميركا وتجميد اي ممتلكات لديهم في الولايات المتحدة، مع التركيز على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذي وصفه نتنياهو بأنه واحد من "أكبر المعادين للسامية في العصر الحديث" وشبّهه بالقضاة النازيين.
 
اللافت أن خان أشار في مطالعته الى نوعين من النزاعات الدائرة، "نزاع دولي مسلح بين إسرائيل وفلسطين" و"نزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس"، لا سيما وأن المحكمة الدولية تعترف بفلسطين كدولة لديها صفة مراقب في الامم المتحدة وقعت على نظام روما الاساسي الذي انشأ المحكمة الجنائية الدولية. واعتبر أن هناك "مسؤولية اجرامية" لكل من قادة "حماس" (اسماعيل هنية، محمد ضيف، والسنوار) واسرائيل (نتنياهو وغالانت)، وهي مساواة اعترض عليها الطرفان بحيث رفضت الحركة "مساواة الضحية بالجلاد".
 
أمرت المحكمة إسرائيل بوقف هجومها على رفح على الفور وضمان وصول المحققين إلى غزة وفتح معبر رفح الحدودي. هذه الاحكام نهائية وملزمة، لكن ليس لدى المحكمة آلية لتنفيذها ويمكن تجاهلها كما رفضت موسكو أمر المحكمة الصادر عام 2022 بوقف حربها ضد أوكرانيا.
 
الطريقة الوحيدة لتنفيذ أمر المحكمة هي من خلال تصويت مجلس الأمن حيث سيكون هناك فيتو أميركي بالانتظار. لكن ستُطرح تساؤلات عما اذا ما سيتم توقيف نتنياهو أو لا في زيارة خارجية يقوم بها، لا سيما الى الدول الاوروبية، سواء بقي في السلطة أو خرج منها. أما قادة "حماس" في غزة، فهاجسهم تعقب إسرائيل أكثر من مذكرات اعتقال لأن ليس لهم جولات خارجية في المدى المنظور لكن تحركات اسماعيل هنية الخارجية قد تصبح محدودة في ظل دوره السياسي في الحركة.
 
كريم خان ردد في تصريح تلفزيوني ما سمعه من مسؤول غربي: "لقد تم بناء المحكمة من أجل أفريقيا ومن أجل البلطجية مثل بوتين" أي لا لمحاكمة أمثال نتنياهو. البيت الابيض يريد من المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات لاعتقال بوتين ومن موسكو تمويل إعادة اعمار أوكرانيا، لكنه يدين اصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ويرفض الطلب من اسرائيل المساهمة في تمويل اعادة إعمار غزة. على واشنطن ايجاد تفسير أفضل لهذا التناقض الجذري في سياستها الدولية.

اقرأ في النهار Premium