قرر الإسلاميون في الجزائر خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في السابع من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، ولكن بكيانٍ مشتّت كما هو الشأن بالنسبة إلى "حركة مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) و"حركة البناء الوطني".
وانضمت "مجتمع السلم" إلى قائمة المشاركين في السباق الانتخابي، بعد مقاطعة استمرت سنوات طويلة، فهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها الحركة في الانتخابات الرئاسية منذ 1995، عندما خاضت السباق بمؤسسها ورئيسها الراحل محفوظ نحناح الذي حل في المرتبة الثانية بعد الرئيس السابق اليمين زروال، قبل أن تعلن مساندتها ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات 1999 و2004 و2009، بينما قاطعت الانتخابات التي أجريت عامي 2004 و2019.
نقاش داخلي
وكشفت بعض المصادر في الحركة لـ"النهار العربي " أن "هذا القرار لم يأت صدفة، بل كان نتاج قراءة عميقة ميزت النقاش الداخلي الذي أطلق في صفوف الحركة بشأن الانتخابات الرئاسية، ويدخل في إطار استرجاع الوعاء الانتخابي المعتبر الذي بدأ يتراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب المقاطعة".
وقال رئيس الحركة عبد العالي حساني، في آخر تصريح صحافي له، إن "الرئاسيات المقبلة تشكل فرصة لتكريس الممارسة الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، وأيضاً التحول الديموقراطي المنشود، والتعددية الحزبية التي تعطي الانتخابات أهمية كبرى"، وهي رسالة صريحة بضرورة المشاركة لأن المقاطعة لم تعد تخدم الحركة.
واستقر الرأي الغالب في مؤسسات الحركة على ترشيح حساني وهو التقليد المعمول به، رغم أن التنافس كان قائماً مع رئيسها السابق عبد الرزاق مقري الذي لم يخف رغبته في الترشح "كأيّ شخص سياسي عاش طيلة عمره في النضال"، كما قال، غير أنه ربط ذلك بالقرار الذي تصدره قيادة الحزب وموقفها من الرئاسيات.
داعمو الرئيس تبون
ويوم الجمعة الفائت، أعلنت "حركة البناء الوطني" ترشيح الرئيس عبد المجيد تبون لولاية رئاسية ثانية. وكشف عبد القادر بن قرينة، خلال ندوة صحافية عقب نهاية الدورة الاستثنائية لمجلس الشورى الوطني للحزب، أن "مجلس الشورى اتخذ هذا القرار بالإجماع، محققاً بذلك مصلحة الوطن على مصلحة الحزب والأفراد". وقال أمام كوادره الحزبية إن "تحمل الأعباء في حركة البناء مقدم عندنا على المزاحمة في أخذ المناصب"، مشيراً إلى أن "أولويات الوطن مقدمة على أولويات التشكيلة وأولويات الوطن أولى من أولويات المناضلين".
ومن المتوقع أن تجنح "جبهة العدالة والتنمية" التي يقودها المرشح الرئاسي السابق عبد الله جاب الله إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن صوتها خف بطريقة لافتة في الفترة الأخيرة. وتواصل الجبهة لهجتها الحادة حيال السلطة الحالية، وسبق لها أن طالبت بـ"ضمانات" مقابل مشاركتها في انتخابات الرئاسة، ومن بين ما طالبت به "مراجعة القوانين المرتبطة بالانتخابات، بما فيها عمل السلطة المستقلة للانتخابات" و"ضرورة استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمس بصدقيته واستقلاليته".
ورغم أن أجنحة التيار الإسلامي ستخوض المعترك الانتخابي، غير أن اللافت إلى الآن استبعاد سيناريو التحالفات الانتخابية التي كان يلجأ لها هذا التيار في سنوات سابقة درءاً لتشتّت أصواته.
وفي قراءته لهذه التطورات، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة البروفسور نور الصباح عكنوش لـ"النهار العربي" إن "سياسة الكرسي الشاغر منهج سلبي أفرغ العمل الحزبي من حقيقته ومحتواه وأثبت محدودية التأثير في واقع الأحداث، وهو ما تحاول الأحزاب السياسية ببراغماتية تقييمه تقييماً جديداً يجعلها حاضرة في الخريطة السياسية بحسب مواردها وبرنامجها وأهدافها، بما يضمن بقاءها في المشهد".
ويرى عكنوش أنه "يجب قراءة ما يحدث في إطار السياق والتوقيت المحيط بالعملية الانتخابية المقبلة، وهو ما يحدد طبيعة السلوك الحزبي إزاء موعد السابع من أيلول والذي سيعيد هندسة الساحة السياسية الوطنية، ما يتطلب تموقعاً معيناً يختلف باختلاف مكوّنات الطبقة السياسية ورؤيتها لعملها ودورها في المستقبل، ولهذا نجد كل كيان سياسي يأخذ مسافة من الحدث بحسب حساباته، ليس في الانتخابات الرئاسية فقط، بل في الاستحقاقات البرلمانية والمحلية المقبلة حتى لا يخسر استراتيجياً ويدير المتغيرات إيجاباً".
ولا يبدي الأستاذ في جامعة محمد الصديق بن يحيى في محافظة جيجل عبد الرفيق كشوط استغرابه من مشاركة مختلف التيارات في الرئاسيات المقبلة، بما فيها التيار الإسلامي، ويقول لـ"النهار العربي": "لم يكن الإعلان عن مشاركة مختلف التيارات في رئاسيات السابع من أيلول مفاجئاً بل كان متوقعاً حتى من تلك التي قاطعت رئاسيات 2019".
ويعزو المحلل السياسي أسباب هذه المشاركة القوية إلى "حصول الأحزاب على ضمانات لم تقدم من قبل أو لم تكن كافية"، ويشير أيضاً إلى "منطق الشعور بالمسؤولية حيال ما يحدث في الداخل أو ما يحاك ويدبر من مؤامرات خارجية، وبالتالي فالمشاركة تأتي لتفويت الفرصة على أعداء الداخل والخارج، وهذا من خلال تعبئة الرأي العام بضرورة المشاركة القوية في الرئاسيات".