بغداد - باسل سواري
أن يسعى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى الفوز بولاية ثانية، فهذا أمر مألوف ومفهوم ومُتوقع، لكن شخصيات في "الإطار التنسيقي الشيعي" تعتقد أن مرشحها رئيس الوزراء "ربما اندفع وتعجّل أكثر مما ينبغي" في تحضيرات تجديد الولاية. وقد حادثت "النهار العربي" عدداً من الشخصيات والمستشارين داخل "الإطار"، فظهر التباين في تقييم الموقف من تحركات السوداني، لكنهم يكادون يجمعون على أن العلاقة بين الطرفين (السوداني والإطار) بحاجة إلى المزيد من "المراجعة والضبط".
استمرت الأجواء "ربيعيةً" بين الطرفين 20 شهراً، منذ تشكيل الحكومة الحالية. لكن غيوماً بدأت تظهر في الأجواء بعدما أرسل السوداني جداول توزيع الأموال على المحافظات. وقد عبّرت شخصيات في "الإطار الشيعي" عن صدمتها من التقليص الكبير في الموازنات المخصّصة للحكومات المحلية، وفقاً للجداول المسرّبة.
لم يعد الحديث عن هذا الأمر في بغداد همساً. تعتقد قيادات كثيرة أن السوداني - وليست وزارة المالية - هو مَن تدخّل لإجراء هذا التقليص، ليكبح "نجومية" المحافظين بمنعهم من إطلاق مشاريع خدمية في مدنهم أو إكمالها، مستعيضاً عن ذلك بإطلاق الأموال لوزارات الحكومة، وتسجيل المزيد من الإنجازات للحكومة الاتحادية، بما يرفع رصيد رئيسها في النزال الانتخابي المتوقع في خريف 2025.
فبعد أشهر قليلة على تشكيل الحكومات المحلية، يحتاج المحافظون – وبينهم سبعة تابعون لـ "الإطار التنسيقي" – إلى أكبر قدر ممكن من الأموال ليبني كل منهم مجده الشعبي بتنفيذ مشاريع خدمية في محافظته. فكل محافظ من هؤلاء يسعى أيضاً إلى ولاية ثانية! ويمثّل الخلاف على أموال الموازنة أهم نقطة "تضارب مصالح" بين السوداني و"الإطار".
لكن رئيس الوزراء هو أيضاً مرشح "الإطار الشيعي"، وهذا الأخير ملزمٌ أن يدعمه لتنجح تجربته. لذا، القوى الشيعية مضطرة "للمشي على حبل مشدود" في مهمّة تعزيز سجل السوداني بنجاحات حكومية عدة ترفع رصيد "الإطار"، لكن من دون أن يسقط من يدها ملف شعبية المحافظين. وهذا يعني أن يُدار مبلغ 153 مليار دولار، هو قيمة ميزانية عام 2024 ومثله للعام 2025، بدقة وتخطيط وتفاهم. وهذا ما لم تظهر ملامحه حتى الساعة.
ويقول سياسي معروف بقربه من زعيم ائتلاف "دولة القانون"، أكبر كتلة داخل "الإطار الشيعي"، إن الإجماع متحقق داخل الإطار على إنجاح مهمة السوداني حتى النهاية، "لكن الاتفاقات معه كانت متعلقة بالحكومة الحالية، ولم يُفتح ملف الولاية الثانية في أي من الاجتماعات التي حضرها السوداني. ولهذا، يجب أن تكون خطوات الحكومة وجداول الإنفاق متسقة مع ما تمّ الاتفاق عليه، ويجب ألّا تذهب في اتجاه تحقيق رغبات سياسية، وإن كانت مشروعة. كما يجب تمويل المحافظات بما تستحقه، لأن نجاح المحافظين هو جزء من نجاح المنظومة، وسينعكس على الجميع... والعكس صحيح".
ويضيف المتحدث: "لكل مرحلة ضروراتها واتفاقاتها. نحن نعيش الآن نتائج اتفاق تشكيل الحكومة مع السوداني.. أما فكرة الولاية الثانية فيجب أن تخضع للنقاش والتفاوض والاتفاق، قبل أن يبدأ أي طرف بالتحضير لها أو العمل تحت تأثيرها".
ومساء الأحد الماضي، وجّه السوداني بإعادة النظر في مخصصات المحافظات، في ما بدا أنه تراجع "خطوة إلى الوراء" تحت الضغط الإعلامي والسياسي. لكن الفرق بين الأرقام التي اقترحها السوداني وما يخطط له المحافظون شاسع جداً، وسيحتاج الطرفان إلى مفاوضات شاقة للالتقاء في منتصف الطريق، والتوصل إلى تسوية مرضية.
ويشترك معظم متحدثي "الإطار الشيعي" في التعبير عن مخاوفهم من تكرار تجربة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي أوقف معظم مشاريع المحافظات خلال ولايته (2014 – 2018) ليواجه انخفاض أسعار النفط وتكاليف حرب تحرير الموصل، ثم دخل الانتخابات منشقاً عن حزبه، وحصد أكثر من 40 مقعداً لصالح ائتلاف جديد حمل اسم "النصر".
وسبق أن تحدث المالكي وائتلافه وزعيم تحالف الفتح هادي العامري (جزء من الإطار) غير مرّة عن مقترحات متداولة بشأن "منع ترشيح المسؤولين التنفيذيين"، فلم يُصدر السوداني أي تعليق على هذا الموضوع. لكن معظم التوقعات تشير إلى أنّه يخطّط فعلياً لخوض الانتخابات، وسيكون على قوى "الإطار" إدارة طموح الرجل، بما يمنعه من التحليق بعيداً.