ترسم الصحافية الفرنسية ألكسندرا سفيانا في كتابها "السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي.. فهم التهديدات التي تنتظرنا"، الصادر في 16 أيار (مايو) الجاري عن منشورات "Robert Laffont"، سيناريو متخيلاً لحرب بين المغرب والجزائر، تصل تداعياتها إلى فرنسا. وتبعاً للقاءات عقدتها سفيانا التي تعمل في مجلة "l'Express" الفرنسية مع عشرات الخبراء، خلصت إلى أن الجزائر هي من سيبادر إلى شنّ هذه الحرب، وستتكبّد خسائر كبيرة. وبحسبها، ستكون حرباً سريعة. لكن، في لحظة من لحظات يأس الممسكين بالسلطة في الجزائر، سيهاجمون فرنسا تحت غطاء إجراء مناورات عسكرية في المتوسط.
يثير سيناريو الحرب بين الجزائر والمغرب مخاوف جدّية في نفوس الكثير من المراقبين. تعود هذه القناعة إلى حالة الجمود التي تعرفها الدورة السياسية في الجزائر، ويُعتبر الصراع الحالي بين أطراف في النظام بخصوص الانتخابات الرئاسية المقبلة، واحداً من المظاهر التي لا تمثل وحدها مؤشراً لما تعرفه الجارة الشرقية للمغرب من اضطراب في قمرة القيادة، بل الأمر أعقد من ذلك. وأظهر الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العقود الأخيرة أن النظام عاجز عن تقديم إجابات يمكن أن تضمن استمرارية النظام والدولة.
وأظهر النظام الجزائري أيضاً أنه يفتقد إلى رجال دولة أقوياء، ليس في مواقع المسؤولية ذات الطابع السيادي فحسب، إنما في مواقع المسؤوليات التدبيرية ذات الطابع التقني أيضاً. وكان لهذا الوضع انعكاساته وتداعياته على المستويين الداخلي والخارجي، وهي تحمل مخاطر عدة في المستقبل القريب، يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
أولاً: تصاعد العداء للمغرب ومالي
قبل أسابيع، ألقى النظام الجزائري حجراً جديداً في بئر العلاقات مع المغرب، وأظهر مرّة أخرى حجم العداء للمملكة المغربية، بافتتاح مكتب ما يسمّى "الحزب الديمقراطي الريفي" الذي يرفع شعار انفصال الريف عن المغرب.
تبيّن الصورة الكاريكاتورية التي أظهرتها الاستخبارات الجزائرية كيف يعمل هذا الجهاز حتى الآن وفق أدبيات الحرب الباردة، وكلاسيكيات العمل الاستخباري. لم يُعر المغرب الرسمي هذا العمل أي اهتمام. وبقدر ما يسعى المغرب إلى عقد تسوية تاريخية شجاعة تنتصر للمستقبل، يسعى النظام في الجزائر إلى الإمعان في القطيعة والاستثمار في العداء. ينسحب هذا الأمر أيضاً على موريتانيا التي تسعى إلى مجاراة حكّام المرادية تفادياً لصدام مباشر معهم.
تُضاف إلى ذلك كله، القطيعة مع مالي، بعد دعم الجزائر حركة من حركات الأزواد المرتبطة بالجماعات المتطرّفة. يمكن هذا الأمر أن يرتد على الجزائر نفسها، بحكم أنها معنية بحركة الطوارق في الجنوب. فمنطقة أزواد الكبرى تضمّ أجزاءً واسعة من جنوب الجزائر وشرقها، اقتطعها الاستعمار الفرنسي للجزائر الفرنسية ولدولة مالي التي أحدثها هذا الاستعمار.
ثانياً: الضعف الهيكلي للاقتصاد الجزائري
قال محمد عرقاب، وزير الطاقة الجزائري، قبل أسابيع في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، متصلة بمداخيل الصادرات من المحروقات: "على الرغم من ارتفاع حجم الصادرات 4 في المئة، لتبلغ نحو 97 مليون طن معادل نفط، فإن قيمتها انخفضت 16 في المئة، لتقارب 50 مليار دولار في عام 2023، مقابل 60 ملياراً في عام 2022"، علماً أن عرقاب نفسه قال إن الاستثمار في قطاع الطاقة في الجزائر تجاوز 9 مليارات دولار في عام 2023، مقارنة بـ 8 مليارات دولار في عام 2022. ويعني ذلك أن الجزائر خسرت 10 مليارات دولار في عام واحد، على الرغم من أنها ضخّت مليار دولار إضافياً في الاستثمارات الموجّهة إلى الطاقة.
في ظل هذا الوضع المالي الصعب، لم يتردّد النظام الجزائري في تخصيص ميزانية غير مسبوقة للجيش في الموازنة العامة للسنة المالية 2024، بلغت 22 مليار دولار. وأوضح الإعلام الجزائري أن تلك الميزانية، التي تقارب نصف مداخيل البلاد من قطاع الطاقة وتعادل نحو خِمس الإنفاق العام، موزعة إلى ثلاثة أجزاء: الأول مخصّص للدفاع الوطني بقيمة 3.5 مليارات دولار فقط، والثاني مخصص للأمور اللوجستية والدعم المتعدد بقيمة 5.6 مليارات دولار، والثالث مخصّص للإدارة العامة بقيمة 12.5 مليار دولار، ما يفتح الباب واسعاً أمام الفساد.
تظهر أهمية الميزانية الضخمة الموجّهة للجيش الجزائري في مؤشرين: الأول، عند مقارنتها بالموازنة العامة لنفس السنة في بلد بحجم الجزائر، حيث بلغت قيمة الموازنة العامة الشاملة لكل القطاعات في الدولة 26 مليار دولار؛ والثاني، قول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقاء مع قناة "الجزيرة"، إن بلاده حققت 10 مليارات دولار من صادراتها غير النفطية. كان تبون يردّد هذا الرقم وهو في منتهى السعادة، بينما الواقع يقول إن هذا الرقم "فضيحة ودليل على فشل نظام ممتد منذ 1962". فبعد 61 عاماً على الاستقلال، لا تستطيع الجزائر أن تصدّر للعالم بأكثر من 10 مليارات دولار خارج نطاق النفط الذي يعدّ هبة ربانية لكنه لا يتسم بالدوام.
ثالثاً: الفساد يُجهز على ثروات الجزائريين
حين تحدث الرئيس تبون عن احتياطات بلاده من العملة الصعبة، قال متفاخراً إنها تبلغ 64 مليار دولار. هذا رقم مهمّ بالتأكيد، لكنه غير كافٍ لبعث الاطمئنان في نفوس الجزائريين. فما يُعتقد أنه طفرة مالية، يتّسم في الحقيقة بطابع ظرفي ناتج من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ارتفاع الطلب العالمي على مصادر الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي، بعد جائحة كورونا.
يكمن الدليل على ذلك في ما كشفته البيانات الاقتصادية للبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي عند مقارنتها احتياطي العملة الصعبة في المغرب والجزائر في عام 2022. فقد أكّد البنك أن المغرب وصل إلى أعلى احتياطي للعملة الصعبة في تاريخه بقيمة 40,449 مليار دولار، متجاوزاً بذلك الاحتياطيات الجزائرية للمرّة الأولى، والتي واصلت انهيارها منذ عام 2013 لتستقر عند عتبة 32,7 مليار دولار، علماً أنها بلغت 192,35 مليار دولار في عام 2013.
معنى ذلك، أن مبلغ 64 مليار دولار يبقى متواضعاً بالنظر إلى الظرف الحالي. ونزداد يقيناً عندما نعلم أن النظام الجزائري أهدر بين عامي 2001 و2014 نحو 1.5 تريليون دولار لتمويل برامج اقتصادية فاشلة (600 مليار دولار) وموازنات عامة للدولة.
رابعاً: نهاية فزّاعة الغاز
تباهى الرئيس تبون بأن الجزائر أحد أهم الدول المنتجة للغاز. وفي خلفية هذا التباهي، نستحضر هرولة عدد من الدول الأوروبية نحو الجزائر في صيف عام 2022، بعد توقف إمدادات الغاز الروسي كلياً.
في الحقيقة، قبل الحرب الروسية – الأوكرانية، كانت الجزائر ثاني مصدّر للغاز إلى أوروبا بعد روسيا. وبغض النظر عن الاعتبارات السياسية التي تُدخل الجزائر في الفلك الروسي، فإن القدرة التصديرية للجزائر عرفت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة.
في الواقع، يتصل أحد الجوانب غير المذكورة في ما يتعلق بإغلاق أنبوب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا، وفقاً لخبراء في مجال الطاقة، بجوانب اقتصادية داخلية تخص ارتفاع الطلب الداخلي في الجزائر على الغاز. فالسوق الداخلية تستهلك أكثر من 52 في المئة من إنتاج الغاز، وهذا ما أكّده الرئيس تبون في لقائه مع "الجزيرة".
لكن، ما لم يذكره هو ضعف القدرة الإنتاجية لحقول الغاز نتيجة ضعف الاستثمار في الصيانة وتجديد المعدات، في حصيلة طبيعية للفساد المستشري في شركة "سوناطراك" التي تملكها الدولة، والتي تمّ التعامل معها دائماً بوصفها "الصندوق الأسود" الذي لا يُمسّ.