البدايات ترسم ملامح النهايات. فإذا كانت بواكير الذكاء الاصطناعي قد غزت غرف الأخبار في كبريات المؤسسات الصحافية ووكالات الأنباء ونجحت حتى الآن في إخراج مادة مذهلة، فما بالنا بالمستقبل القريب. العلماء يقولون إن الذكاء الاصطناعي ومحركاته تتطور بسرعات فائقة كل ستة أشهر.
وكالة الأنباء "رويترز"، مثلاً، طورت نظام تعقب News Tracer يستقي من أدوات الذكاء الاصطناعي قدرات تمكنه من اكتشاف الأخبار العاجلة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويحلل مليارات النصوص ليحدد الأخبار بدقة عالية تساعد الصحافيين على التحقق من مصادرها ثم سرعة نشرها. وهناك فارق بين كلمتي تتبع tracking وتعقب tracing، فالأولى مثل تتبع شيء يسير كشحنات بريدية أو تتبع مشكلة تقنية. أما التعقب ففيه شيء من التحري عن شيء ما بهدف الوصول إلى حيثياته. فتعقب المجرمين أو المفقودين يقصد به تحقيق واستقصاء للوصول إلى الخبر الصحيح أو المعلومة.
وقدمت كذلك وكالة أنباء "أسوشيتد برس" خدمة "أوتوميتد انسايت" Automated Insights بالتعاون مع شركة wordsmith لكتابة تقارير إخبارية على نحو آلي. فيمكن مثلاً تحرير أخبار عن أرباح الشركات، وأخبار الطقس، ونتائج المباريات الرياضية، الأمر الذي يتيح للعاملين التركيز على الموضوعات أو التحقيقات العميقة التي تتطلب تركيزاً وجهداً بالغاً قبل أن ترى النور.
واستخدمت "الواشطن بوست" برنامج Heliograf الذي أفادها في تغطية الانتخابات الأميركية في وقت قياسي، وتستخدم غريمتها "نيويورك تايمز" نظام Editor الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في اختيار الصور المناسبة وتحليلها. أذكر عندما كنا نعمل في صحيفة "القبس" الكويتية كصحافيين كنا ننزل إلى مركز الأرشيف لاختيار صور مناسبة لتقاريرنا وأخبارنا. وحاولت ذات مرة تقدير الوقت المهدر في البحث فوجدته يصل أحياناً إلى ربع وقت كتابة الخبر أو "الفيتشر". فهي مهمة متعبة قبل أن تتطور الوسائل التكنولوجية. فما بالنا إذا كان ذلك ممكناً بضغط زر على الذكاء الاصطناعي. فيمكن أن يبحث الصحافي الآن بين مئات الألوف من الصور بسهولة خاطفة.
حتى "بي بي سي" جاءت بنظام Juicer الذي يقدم للمستخدم عصارة الأخبار التي يجمعها ويحللها بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ثم يقوم بتحليلها وتصنيفها ويحدثها باستمرار. وذلك يساعد الصحافيين على الوصول إلى معلومات متنوعة ودقيقة بسرعة خاطفة. صحيفة "الأنباء" الكويتية قدمت خدمة غير مسبوقة في الوطن العربي بزر يلخص لك الأخبار لتوفر عليك وقت القراءة.
في منتدى الإعلام العربي في دبي كانت هناك جلسة بعنوان "مستقبل غرف الأخبار"، غير أنني للأسف لم يتسن لي حضورها. كنت أتمنى أن تناقش أيضاً كيف يمكن أن تستفيد غرف الأخبار من البيانات الضخمة في تدعيم الأخبار العاجلة والتقارير بمعلومات تكشف جوانب المشهد وأبعاده للجمهور.
كل من يحارب التكنولوجيا أو يتجاهلها بحجة أن العقل لا ينازعه أحد ينسى أن العمل الصحافي مراحل عدة، منها البحث الأولي، وتجميع المادة، واختيار الصور، وهذه يمكن أن يتولى همها الذكاء الاصطناعي.