بعد حكومات إسبانيا وإيرلندا والنروج، صادقت الحكومة السلوفينية برئاسة روبرت غولوب الخميس على الاعتراف بدولة فلسطين، وأحالت القرار إلى برلمان البلاد للمصادقة عليه في جلسة يعقدها الثلثاء المقبل.
وقال غولوب في شرحه قرار الاعتراف: "هذه رسالة سلام. نعتقد أن الوقت حان للعالم أجمع ليوحّد جهوده نحو حلّ (وفق مبدأ) الدولتين يجلب السلام إلى الشرق الاوسط".
سارعت إسرائيل إلى التنديد بهذا القرار، على غرار ما فعلته رداً على اعتراف الدول الأوروبية الثلاث في أوائل الأسبوع، مناشدة البرلمان السلوفيني عدم المصادقة على الاعتراف.
إن عدوى الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية نتيجةٌ منطقيةٌ لما تشعر به دول كثيرة في العالم من إحباط متصاعد، بفعل استمرار الحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزة، وعدم تحرك الولايات المتحدة بالقدر الكافي للضغط على الحكومة الإسرائيلية كي توقف عمليات القتل المستمرة منذ ثمانية أشهر. والاعتراف بفلسطين، الذي تصوره إسرائيل "مكافأةً لحماس" أو "تحريضاً على معاداة السامية" هو الردّ الأخلاقي والمسؤول على مضيها قدماً في هذه الحرب.
عندما تعترض الولايات المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين، وتبرّر ذلك بأن الدولة الفلسطينية لا تقوم من خلال إعلانات آحادية، إنما تقوم من خلال عملية تفاوض فلسطينية - إسرائيلية مباشرة، فثمة سؤال جوهري يطرح نفسه في هذا السياق: "هل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقتنعة فعلاً بأن حكومة إسرائيل، التي ترفض وقف النار في غزة، ستوافق على العودة إلى مفاوضة السلطة الفلسطينية والقبول بدولة فلسطينية مستقلة؟".
لم يعد تكرار الكلام الاميركي عن مسار سياسي أو حلّ الدولتين قابلاً للصرف أو الترجمة فعلياً على الأرض من دون استراتيجية أميركية واضحة في الشرق الأوسط. وهذا ما تفتقده إدارة بايدن، وهذا ما افتقدته إدارات أميركية سابقة، منذ عملية أوسلو في عام 1993.
صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحكم في عام 1996 حاملاً شعار منع قيام دولة فلسطينية. وهو لم يغيّر سياسته هذه بعد عودته مجدداً إلى الحكم في عام 2009، وبقي ممسكاً بالقرار في إسرائيل باستثناء فترة لا تتجاوز السنة في عام 2022. واختار نتنياهو أخيراً التحالف مع أكثر حزبين تطرّفاً بزعامة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وألّف معهما أكثر الحكومات تشدّداً على الصعيدين القومي والديني. وأكثر من ذلك، لا يوجد في إسرائيل مسؤول واحد، في الحكم أو في المعارضة، يقبل بقيام دولة فلسطينية، والمجتمع الإسرائيلي الذي نحا بقيادة نتنياهو أكثر نحو التشدّد لا يريد قيام دولة فلسطينية.
فما العمل إذاً؟
الطريق الأقصر لقيام الدولة الفلسطينية يمرّ في اعتراف العالم بهذه الدولة، لتصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني خلال 76 عاماً. واليوم، نزع تدمير غزة وقتل 36 ألف مدني فيها، معظمهم من النساء والأطفال، عن إسرائيل الشرعية الدولية، وحرّك وعياً عالمياً تفجّر احتجاجات في مدن العالم وجامعاته. فيجب أن تُترجم هذه الصحوة العالمية في اعتراف رسمي بدولة فلسطين، كي لا تتمكن إسرائيل مجدداً من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فتفعل ما فعلته في عامي 1948 و1967، أي تحويل قضية الشعب الفلسطيني إلى مجرد قضية لاجئين، وتالياً إنكار حقه في تقرير مصيره، وفي أن تكون له دولته المستقلة، أسوة بالشعوب الأخرى في المنطقة.
أرست جرأة إسبانيا وإيرلندا والنروج في تمرّدها على التهديدات الإسرائيلية من مغبة الاعتراف بدولة فلسطين سابقةً يجب أن تعمّ العالم، فتحذو حذوها دول لم تعترف بهذه الدولة بعد، علماً أن الدول الثلاث لم تقلّ يوماً إنها ضدّ إسرائيل، إنما تحركت بدافعٍ عبّر عنه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أبلغ تعبير: "إبقاء حلّ الدولتين على قيد الحياة".