يمكن لأي مواطن في إيران الترشح لمنصب رئيس الجمهورية الذي يُنتخب بالاقتراع المباشر من الشعب، وإن كان البرلمان قد ضيق شروط ذلك عام 2008، فلا بد من أن يتمتع المرشح بدرجة علمية لا تقل عن درجة الماجستير أو ما يعادلها، وأن يكون قد شغل مناصبَ إدارية في الدولة، وأن يتراوح عمره بين 40 عاماً و75، بالإضافة إلى عدم وجود سجل جنائي وتمتعه بالجنسية الإيرانية والمذهبية الشيعية.
وإن كان لا مشكلة في تلك الشروط التي هدفها خفض الطلبات العابثة التي شهدتها انتخابات عام 2005، لكن تبقى المعضلة الأكبر في مجلس صيانة الدستور، الذي ليست مهمته فحسب حماية الدستور ونظام ولاية الفقيه، بل هو أداة "هندسة" الانتخابات وفق ما يريد المرشد الأعلى، وأعضاء ذلك المجلس 12 عضواً، يعين المرشد نصفهم، ورئيس القضاء الذي يعينه المرشد أيضاً يختار بقيتهم!
إذاً، الحصول على صلاحية دخول السباق الانتخابي رسمياً في حاجة إلى رضا المرشد الأعلى قبل موافقة مجلس صيانة الدستور، أي أن النظام هو من يحدد وجه الرئيس القادم قبل أن ينتخبه الشعب.
والهدف هو هندسة طاولة شطرنج الانتخابات بما يأتي برئيس جديد يلبي حاجات النظام، التي تحددها مؤسسات صناعة القرار والأجهزة الأمنية وحسابات القوى الداخلية التي تحمي مصالحها.
رؤية الإصلاحيين
تحمل رؤية الإصلاحيين قدراً من الموضوعية، إذ إن تركيز النظام على استبعادهم ودعمه للتيار المحافظ منذ رحيل حكومة حسن روحاني وبرلمان علي لاريجاني، أدى إلى نتيجتين في غاية الخطورة: الأولى، عزوف الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ما داموا قد شعروا أن الأمر محسوم من البداية، وهو ما أضر بشعبية نظام ولاية الفقيه، إذ بدا وكأن تأييد استمراريته محصور في معسكر المحافظين وعوائلهم وأنصارهم في الشارع، من دون حاجة للآخرين.
والثانية، هي ترسيخ صورة الدولة الكهنوتية على وجه إيران، بخاصة أن زي الملالي (رجال الدين) بات يملأ أروقة المؤسسات الرسمية وشاشات التلفاز، بما جعل إيرانيين، لا سيما من فئة الشباب والجيل الجديد، يلخصون حل مشكلات بلادهم في التخلص من السلطة الدينية التي وصموها بالرجعية والتخلف.
وقد دلتْ تجربة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي إلى أن سيطرة التيار المحافظ على المؤسسات كافة، أشعرت الشباب باليأس الكامل من وجود شخص قد ينصت إلى مطالبهم، فإن رئيسي الذي كان يطمح لخلافة المرشد في منصبه، كان حريصاً على عدم إغضابه أو التيار المتشدد أو القادة العسكريين، فكان لا يتفوه إلا ترديداً لما يعلنونه تجاه قضايا هزت الشارع، مثل قضية الحجاب وشرطة الأمر بالمعروف والإساءة للمرأة، وكذلك تجاه قضايا خارجية مثل المحادثات مع الغرب ودعم محور المقاومة.
ولذلك، فإن الشعار الذي يكرره الإصلاحيون بأن مشاركة الشعب أهم من اختيار الفرد، من أجل تحقيق المُصالحة بين الناخب الإيراني وصناديق الاقتراع، لا يغيب عن النظام الإيراني إدراكه، فهو حريص على تلك المشاركة، ولكن من باب شخصية موالية ومعتدلة أو يمكن ترويضها.
رؤية النظام
دلتْ انتخابات رئاسة البرلمان الثاني عشر في 28 أيار (مايو) الماضي، التي أعيد فيها اختيار محمد باقر قاليباف، رئيساً للبرلمان، على أن النظام الإيراني لا تزال لديه رؤيته في إدارة اللعبة السياسية، ففوز قاليباف حافظ على سيطرة المحافظين على البرلمان، ولكن لمصلحة "المعتدلين" منهم، فهذا الفوز خسارة لكتل متشددة مثل "جبهة الثبات" (پایداری) التي تمثل أقصى اليمين، و"جبهة" (دلواپسان) التي تمثل المعارضين للحوار مع الغرب والتوصل إلى اتفاق نووي.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية، فالنظام يبحث عن شخصية معتدلة وسط التيار المحافظ، بما يضمن سلامته واستقراره ويضمن كذلك مقبوليته وسط الشارع، ما يعني البحث عن شخصية سياسية تمضي على خطى إبراهيم رئيسي، لاستكمال ما بدأه!
ويبدو أن النظام قد أكد رؤيته تلك من خلال قرار مجلس صيانة الدستور لعام 2021، الذي يحدد الشروط اللازمة للاعتراف بـ"الرجل السياسي"، والذي أعاد نشره المتحدث باسم ذلك المجلس هادي طحان نظيف، قبل فتح باب الترشح يوم الأربعاء 29 أيار (مايو)، إذ يوافق مجلس صيانة الدستور على مَن يتمتع بشخصية "الرجل السياسي" إذا توافرت لديه أربعة شروط، هي: متدين، أي معروف بين الناس بهذه الصفة ويكنّ الاحترام للشعائر الدينية. سياسي: أي لديه دراية بالقضايا الداخلية والخارجية، والأهم أن تخدم النظام الإسلامي والمعايير الثورية. مدير: أي لديه قدرة على الإدارة ولديه سجل ناجح في ذلك. مدبر: أي يتمتع بقدر من العقلانية والحكمة في إدارة الأزمات وحلها بما يحافظ على الدولة وسلامتها.
كذلك كشف المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عن نقطة مهمة، وهي عدم وجود فرصة للطعن بعدم أهلية الترشح، وإن كان القانون ينص على إبلاغ المرشح المرفوض أسباب عدم صلاحيته، ما يعني أن النظام ليس لديه وقت لتعطيل الانتخابات المقررة يوم الجمعة 28 حزيران (يونيو) الجاري، كما حدد طبيعة الرئيس القادم لإيران.
رئيس التحديات
المعضلة الاقتصادية هي التحدي الأكبر لأي رئيس قادم في إيران، وهذه المسألة مطلب مشترك بين المحافظين والإصلاحيين، فالنظام راهن على حكومة إبراهيم رئيسي لحل المشكلة الاقتصادية تحت ظل العقوبات الغربية وبعيداً عن اللجوء للعودة إلى الاتفاق النووي، وإن كانت تلك الحكومة لم تنجح في تقديم أي حل ولو جزئياً أو موقتاً للمعضلة الاقتصادية إلا بتعديل السياسة الخارجية والحفاظ على الاتصال مع الغرب من أجل الحصول على تغاض أميركي عن مبيعات النفط والتجارة الخارجية لإيران.
إن الرئيس الإيراني القادم مهمته أن يستكمل مشوار رئيسي، وهو ما فطن إليه المرشحون للرئاسة، إذ إن أسماء قوية مرشحة للرئاسة، على سبيل المثال علي أردشير لاريجاني وسعيد جليلي، نجدها تركز كثيراً في خطابها الانتخابي على المشكلات المعيشية، وهو ما يريد أن يسمعه الشعب وكذلك النظام في آن واحد.
وإن كان السؤال: هل يفضل النظام الإيراني اختيار جليلي المقرب من المحافظين أم لاريجاني المقرب من الإصلاحيين أم أن هناك مرشحاً آخر؟ فالإجابة عن ذلك، سيحددها موقف مجلس صيانة الدستور من المرشحين!