النهار

قيس سعيد في الصين... استراتيجية أم تكتيك؟
أحمد نظيف
المصدر: النهار العربي
يبدو أن الرئيس التونسي، وبعد فك العلاقة مع صندوق النقد الدولي، في أعقاب فشل كل المساعي للظفر بقرض في سياق برنامج إصلاح هيكلي، فضل التوجه نحو بكين للبحث عن حلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
قيس سعيد في الصين... استراتيجية أم تكتيك؟
الرئيسان الصيني والتونسي (أ ف ب)
A+   A-
 
في خطوة كانت متوقعةً، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس التونسي قيس سعيد إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين بعد محادثات بين الرئيسين خلال زيارة يقوم بها سعيد للصين. وقال الرئيس الصيني، وفقاً لبيان وزعته وكالة الأنباء الصينية الرسمية، إن الصين تدعم تونس في اتباع مسار تنموي يناسب ظروفها الوطنية ودفع عملية الإصلاح بشكل مستقل والحفاظ على مستقبلها في يديها بكل قوة. وأعرب شي جينبينغ عن استعداد الصين لتعزيز تضافر استراتيجيات التنمية مع تونس، وتعميق التعاون في مجالات مثل تشييد البنية التحتية والطاقة الجديدة، وتعزيز محركات نمو جديدة للتعاون في الرعاية الطبية والصحية، والتنمية الخضراء، والموارد المائية، والزراعة وغيرها من المجالات، وتعزيز تعاون "الحزام والطريق" العالي الجودة بين البلدين لتحقيق المزيد من النتائج، مُرحباً بدخول المزيد من المنتجات التونسية العالية الجودة إلى السوق الصينية. وقال إن الصين على استعداد لمواصلة إرسال فرق طبية عالية المستوى إلى تونس، وتعميق التعاون معها في مجالي التعليم والسياحة، وتعزيز التبادلات الشعبية.
 
اللافت في هذا الإعلان هو تبادل الاعتراف بين الطرفين حول قضية تايوان مقابل مباركة بكين للمسار الذي شرع فيه الرئيس سعيد منذ تموز (يوليو) 2021. اذ أشار نص الشراكة إلى دعم تونس "جهود الصين لتحقيق إعادة التوحيد الوطني والدفاع عن المصالح الأساسية، ومعارضة الصين للتدخل في الشؤون الداخلية للصين من خلال القضايا المتعلقة بهونغ كونغ وشينجيانغ" في المقابل "تدعم الصين بقوة الإجراءات التي اتخذتها تونس للإصلاح والحفاظ على سيادتها منذ 25 تموز (يوليو) 2021 (...) وتدعم بقوة جهود القادة التونسيين لحماية السيادة الوطنية والحق في تقرير المصير، فضلا عن خطط التنمية وإجراءات الإصلاح التي اختارها الشعب التونسي والتي تتماشى مع الظروف الوطنية للبلاد، وتعارض بشدة أي قوى خارجية".
 
وهو تبادل يعكس توجهاً واضحاً للطرفين مضاداً للمعسكر الغربي. لكن هذا التوجه السياسي – غير المسبوق – في التقاليد الدبلوماسية التونسية، والتي كانت منذ الاستقلال في الصف الغربي – الأميركي والأوروبي – يطرح تساؤلات حول حدوده. هل هو تحوّل جذري استراتيجي في الطبيعة الجيوسياسية للدولة التونسية أم مجرد تكتيك للضغط السياسي من طرف سعيد على جيرانه الأوروبيين؟
 
في الإعلان نفسه أعلنت تونس ترحيبها بمبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية التي اقترحها الرئيس شي جينبينغ. وقالت إن "الجانبين سيعملان على تعزيز التعاون العالي الجودة في بناء مبادرة الحزام والطريق، وفسح المجال كاملاً لدور مشاريع المبادرة التي تم إنجازها في البلدين والمنطقة". وأكدت الصين مجدداً أنها ستواصل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وترغب في مساعدة تونس على تنفيذ مشاريع استراتيجية في مجالات مثل الصحة والبنية التحتية والطاقة والنقل والبحث العلمي والزراعة.
 
ويبدو أن الرئيس التونسي، وبعد فك العلاقة مع صندوق النقد الدولي، في أعقاب فشل كل المساعي للظفر بقرض في سياق برنامج إصلاح هيكلي، فضل التوجه نحو بكين للبحث عن حلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. وقد تقاطع ذلك مع رغبة صينية ملحة في توسيع نفوذها في شمال إفريقيا وحوض المتوسط، بوصفه موقعاً حيوياً لمبادرتها الاقتصادية "الحزام والطريق'' ومجال نفوذ جيوسياسي مركزي في العالم  وموقع التقاء القارات الثلاث.
 
من خلال تحالفه الوثيق مع الجزائر، يجد سعيد الطريق نحو الصين سالكاً. فالجزائر هي الشريك التاريخي للصين في منطقة المغرب العربي، حيث تتركز ما يقرب من نصف الصادرات في المنطقة بقيمة 7.6 مليار دولار، متفوقة بفارق كبير على المغرب وصادراته البالغة 3 مليارات دولار. كما تعمل الصين بقوة في المغرب من خلال شراكات واسعة وفي ليبيا – رغم الحرب الجارية – لاسيما في قطاعات الطاقة والبناء. والحلقة الأضعف في المنطقة بالنسبة اليها هي تونس. لذلك فإن التغييرات الجذرية التي قام بها سعيد عام 2021، والتي أفضت إلى تدهور علاقته بالمعسكر الغربي، مثلت هديةً من السماء بالنسبة الى بكين للدخول إلى تونس أكثر قوة، وبخاصةً في سبيل تفكيك النفوذ الغربي. فحتى قبل وصول سعيد إلى السلطة كانت الصين تسعى من خلال برامج التبادل والمشاريع الى ضم تونس إلى مبادرة "الحزام والطريق". فقد تم افتتاح أول معهد كونفوشيوس في تونس عام 2019. وفي قطاع البنية التحتية، قامت الشركات الصينية بإعادة بناء المستشفى الجامعي في صفاقس الذي تم افتتاحه عام 2020، ومضاعفة قناة نهر مجردة، وتشييد مبنى الأرشيف الوطني، وبناء وخمسة مستشفيات في شمال غرب البلاد، والأكاديمية الدبلوماسية.
 
لكن مشاريع الصين الاستراتيجية في تونس تعرضت خلال السنوات الماضية إلى عراقيل – كان واضحاً أن جهات غربية هي التي تقف خلفها – وأساساً مشروع تحويل ميناء جرجيس إلى مركز اقتصادي وتجاري على مساحة 1000 هكتار، ومركز تكنولوجي، ومشروع خط السكة الحديد والمنطقة اللوجستية ومنطقة الأنشطة الاقتصادية. ولهذا الميناء أهمية استراتيجية؛ اذ يبعد 70 كلم عن ليبيا و200 كلم عن الجزائر وساعتين عن أوروبا من مطار جربة. وكان من المفترض أن يشكل بوابة إلى ليبيا، السوق التي تشهد حاليًا عملية إعادة الإعمار، وجزءاً من مبادرة "طريق الحرير". 
 
لا أحد يدري ما يدور في رأس الرئيس التونسي. لكن توجهه نحو الصين هذه المرة لا يبدو مجرد خيار تكتيكي للضغط على جيرانه الأوروبيين الذين لن يجد مهرباً من التعامل معهم بسبب القدر الجغرافي للبلاد. لكن في الوقت نفسه لا يمكن الجزم بأن هذا التوجه سيكون خياراً إستراتيجياً للدولة التونسية من الغرب إلى الشرق.

اقرأ في النهار Premium