يشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن اليمين المتطرف سيُحرز تقدماً ملحوظاً في الانتخابات الأوروبية غداً الأربعاء، وسيتمكن بذلك من قلب الهوية الأوروبية في اتجاه سياسات أكثر تشدداً في مسائل عدة: الهجرة، والقيود المفروضة على البيئة، والخطة الطموحة لجعل القارة العجوز خالية من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2050، والنزاع الروسي - الأوكراني.
في صفوف اليمين المتطرف، التركيز دائم على جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية التي تنتمي إلى حزب "أخوة إيطاليا" ذي الجذور الفاشية، والذي يتصدر استطلاعات الرأي في إيطاليا.
وفي خطاب ناري أمام الآلاف من أنصارها احتشدوا في وسط روما في الأسبوع الماضي، قالت ميلوني: "نقف عند نقطة تحول، ويبدو الأمر استفتاءً بين رؤيتين متعارضتين لمستقبل أوروبا. هدفنا واضح، وهو بناء حكومة يمينية في أوروبا أيضاً، وإحالة اليسار نهائياً على المعارضة، بعدما ألحق بقارتنا طوال السنوات الماضية أضراراً فادحة".
تتزعم ميلوني إحدى مجموعتين يمينيتين متطرفتين في البرلمان الأوروبي: كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، وكتلة "الهوية والديموقراطية" التي تضم حزب التجمع الوطني في فرنسا بزعامة مارين لوبن. وقد طردت الكتلة مؤخراً حزب "البديل من أجل ألمانيا" بعد تقارير عن مشاركة شخصيات من الحزب في اجتماع لأحزاب نازية تنادي بترحيل الأجانب عن ألمانيا إن سيطرت على السلطة. الكتلتان منقسمتان حول الموقف من الصراع الروسي – الأوكراني: فكتلة ميلوني تدعم أوكرانيا، فيما تقف الكتلة الأخرى من روسيا موقفاً أقل عداءً.
بعد عامين من عهد ميلوني في إيطاليا، ملاحظٌ أنها انتهجت سياسة أكثر ليونة إزاء الاتحاد الأوروبي، بعدما كانت تصوره بأنه مصدر الشرور الأوروبية كلها، إلى درجة أن بعض المراقبين خافوا يوماً من أن تحذو إيطاليا حذو بريطانيا فتطرح استفتاءً على عضويتها في التكتل الأوروبي. وإذ بميلوني تميل إلى سياسة واقعية تنشد التعاون مع التكتل، وتتفانى إلى أقصى الحدود في التعامل معه، وتنسج علاقة متينة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي ربما يصعب انتخابها مجدداً في منصبها، من دون دعم كتلة ميلوني في البرلمان الأوروبي الجديد، الذي سيولد فجر 10 حزيران (يونيو) الجاري.
ومع التراجع المتوقع لأحزاب اليمين والوسط التقليدية في فرنسا وألمانيا، ومع تقدم اليمين المتطرف في هذين البلدين في البرلمان الأوروبي الجديد، تبرز ميلوني لاعبة أساسية في عملية صنع القرار في بروكسل. وهذا دور كان يؤديه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس. ويتقدم "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في فرنسا على حزب "النهضة" بزعامة ماكرون، كما يتقدم حزب "البديل من أجل ألمانيا" على "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" بزعامة شولتس.
هذا كله يتيح فرصة لميلوني كي تدفع بإيطاليا، القوة الثالثة في الاتحاد الأوروبي، إلى أداء دور متقدم في صوغ المواقف والقرارات داخل التكتل، مع التصاعد المستمر في الحرب الروسية – الأوكرانية، النزاع المسلح الأخطر في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
إنها مرحلة ميلوني بامتياز. وإن حظيت فون دير لاين بولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية، ربما تقبض السيدتان على مفاصل صنع القرار داخل الاتحاد في زمن صعب، تعاني فيه الاقتصادات الأوروبية مشكلات جدية متراكمة، إن بسبب إغلاقات كورونا، أو بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وميلوني هي الأقدر على تدوير الزوايا مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الشعبوي الآخر الذي لا يتفق مع قرارات بروكسل في مسألتي الهجرة والموقف من روسيا. فقد تدخلت مراراً لمنعه من استخدام الفيتو بوجه قرارات أوروبية تدعم أوكرانيا بمليارات الدولارات، وأقنعته بالتبرع لها بمزيد من الأسلحة والذخائر.