النهار

لماذا ترفض السعودية الخطابات الثورية في موسم الحج؟
حسن المصطفى
المصدر: النهار العربي
"المشاعر المقدّسة مكان لأداء نسك الحج والتفرّغ للعبادة". هذا ما يقوله الفريق محمد البسامي، مدير الأمن العام في السعودية
لماذا ترفض السعودية الخطابات الثورية في موسم الحج؟
(أرشيفية)
A+   A-
"المشاعر المقدّسة مكان لأداء نسك الحج والتفرّغ للعبادة". هذا ما يقوله الفريق محمد البسامي، مدير الأمن العام في السعودية، مؤكّداً في حديث لصحيفة "الوطن" السعودية، أن "أعمال الحج يواكبها تخطيط متقن مع وزارة الحج والعمرة ووزارة النقل وكافة الجهات المعنية بحجاج بيت الله الحرام، من أجل ضمان أمن وسلامة ضيوف الرحمن".
 
يبدأ هذا التخطيط باكراً في المملكة. فما أن ينتهي موسم الحج، حتى تبدأ الجهات المعنية بدراسة وتقييم "الموسم" ومراجعة الأداء ووضع تصور جديد ومطور من أجل موسم العام الذي يليه، لأن إدارة حشود مليونية في بقعة جغرافية محدّدة في فترة زمنية معينة ليس بالأمر السهل، إذا أُخذ في الحسبان تنوع واختلاف ثقافات ولغات وعادات وطرائق تفكير هؤلاء الحجاج وأعمارهم، والمشاكل الصحية التي قد يعانيها بعضهم، فضلاً عن وجود حجاج لهم توجّهات سياسية أو حزبية معينة، أو قدوم عناصر متسترة تنتمي إلى تنظيمات "إرهابية" أو أجهزة أمنية أو استخبارية لدول أجنبية، يتخفّون في زي الحجيج، ما يجعل مهمّة المتابعة والرصد أكثر دقة، كي لا يتمّ استغلال الموسم العبادي لأهداف سياسية، أو القيام بأعمالٍ أمنية أو تخريبية قد تؤثر في سلامة الحجاج.
 
لهذا السبب، نجد السعودية حازمةً في سياساتها تجاه شعائر الحج. إنها لا تمنع أي شخص من زيارة بيت الله الحرام والمسجد النبوي، لكنها تؤكّد دائماً أهمية "التزام الحجاج الأنظمة والتعاون مع الجهات المختصة"، كما جاء في حديث وزير الحج توفيق الربيعة، في مؤتمر صحافي عقده الخميس 6 حزيران (يونيو) الجاري، وكشف فيه عن وصول نحو 1.2 مليون حاج لأداء مناسكهم حتى الآن!
 
يأتي موسم الحج هذا العام في ظروف إقليمية مضطربة، حيث الحرب على قطاع غزة وعمليات الإبادة التي تمارسها القوات الإسرائيلية ضدّ المدنيين العزّل، فضلاً عن الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله" في جنوب لبنان، والتصعيد الأمني بين إيران وإسرائيل، وما واكب ذلك من تحرك ما يعُرف بـ "محور المقاومة" في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والخطابات التي يطلقها قادة هذا المحور وقادة "حماس" وباقي التشكيلات الفلسطينية. 
 
هذه الأوضاع السياسية جذبت اهتماماً دولياً واسعاً، وتعاطفاً إنسانياً مع "الحق الفلسطيني" وليس مع "حماس"، لأن هناك فرقاً بين فلسطين و"حماس"، ولا يصح اختزال شعبٍ في حركة. سعى بعض الجماعات إلى الاستفادة من هذا التعاطف الواسع بغية إحداث موجة جديدة من "الربيع العربي". لذا، نجد أن خطابات "الإخوان المسلمين" وتنظيراتهم السياسية المختلفة تسعى إلى تحريض الشعوب ضدّ حكومات تصفها بـ "المتخاذلة"، في مساعي تعمية للحقائق، مستغلة عواطف الناس الجياشة تجاه صور الأطفال والنساء القتلى!
 
لهذا كله، ولأسباب عدة أخرى، تقف السعودية بوضوح ضدّ استخدام الخطابات الثورية في موسم الحج. وفي هذا الصدد، مفيدٌ استحضار تصريح سابق في عام 2023، أدلى به اللواء الركن محمد العمري، قائد "قوات الطوارئ الخاصة" التابعة لـ "رئاسة أمن الدولة" في السعودية، أكّد فيه أن "قوات الطوارئ الخاصة التي توجد في مكّة المكرّمة والمشاعر المقدّسة بوجه عام وفي المدينة المنورة.. مدرّبة وجاهزة"، وأن "هدفها الأساسي المحافظة على أمن الحج وأمن ضيوف الرحمن".
 
شدّد العمري أيضاً على معاملة الحجاج "على كفوف الراحة"، إنما "متى ما تيقن أو توفرت معلومات لمن يريد الإخلال بالحج فإن القطاعات برئاسة الدولة له بالمرصاد، فأمن الحج خط أحمر، لن نرضى الوصول إليه، بل قبل الوصول إليه".
 
هنالك دعوات في هذا العام من أجل "تثوير الحج" تحت شعار "نصرة غزة"، وهي خطابات مخاتلة ينبغي الحذر منها، لأن موسم الحج ليس مكان إغاثة الشعب الفلسطيني وتأييد حقه المشروع في إقامة دولة مستقلة، فهو شعيرة عبادية وليست سياسية، ومن يراقب الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها دول عربية عديدة وفي مقدّمتها السعودية وبيان "الخماسية العربية" الذي أصدرته السعودية والإمارات ومصر والأردن وقطر، ومن يستقصي الجهود الدبلوماسية الكبيرة المبذولة والمساعدات الإنسانية المقدّمة من دول الخليج العربي وسواها من الداعمين، يعي أن هنالك عملاً متواصلاً من أجل وقف الحرب على غزة، وأن لهذه المساعي قنواتها النظامية والدبلوماسية التي يجب اتباعها واحترامها وعدم تجاوزها.
 
لا تتمّ نصرة فلسطين بـ "الفوضى"، أو برفع الشعارات الثورية والصور والرايات السياسية في الحج، خصوصاً أن مكّة المكرّمة والمدينة المنورة مدينتان لهما "قدسيتهما" عند المسلمين، وسلامتهما وأمن زوارهما يجب أن يكونا أولويتين مقدّمتين على ما سواهما!
 
إعلان

اقرأ في النهار Premium