على هامش الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي الذي مكّن الحلفاء من تحرير أوروبا، في الحرب العالمية الثانية، من النازية، خصص رئيسا الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ورئيس الحكومة البريطانية والمستشار الألماني، مكاناً للجبهة اللبنانية - الإسرائيلية في بيانهم الخاص بالشرق الأوسط.
في الشأن اللبناني ورد في البيان معطى جديد بدا في غاية الأهمية لحظة صدوره، لأنّه واكب تراكم الإشارات على عزم الجيش الإسرائيلي بدء حرب ضد لبنان. وقد جاء في البيان، لهذه الجهة الآتي: "أكد رؤساء الدول والحكومات أنّ الحفاظ على استقرار لبنان أمر بالغ الأهمية، وأعربوا عن عزمهم على توحيد جهودهم دعماً للتهدئة على طول الخط الأزرق، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701. ودعوا جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس لتجنب أي تصعيد إقليمي آخر".
وكان لافتاً للانتباه أنّ نتنياهو، بالتزامن مع إعداد هذا البيان، قد ألغى اجتماعاً لحكومة الحرب المصغرة، كان مقرراً ليل أول من أمس، من أجل اتخاذ قرار بشأن توسيع العملية العسكرية في الشمال، بعدما سبق لوزراء هذه الحكومة، في اجتماع عقدوه، الثلثاء الماضي، أن عرضوا تفصيلياً لمواقفهم.
وهذا الإرجاء يعني أنّ صانعي القرار في إسرائيل قد أعادوا قرار الحرب ضد لبنان إلى مرتبته الثانوية، على اعتبار أنّ الرأي العام الإسرائيلي سيكون، ابتداءً من اليوم، منشغلاً بأزمة حكومية كبيرة، إذا نفذ بيني غانتس وعيده بالانسحاب من الحكومة أو تراجع عن ذلك.
في حال انسحاب غانتس قد يلغي نتنياهو حكومة الحرب ويواجه معارضة سياسية أضخم بكثير من تلك التي يواجهها اليوم، بحيث يتضاعف ثقل هؤلاء الذين يريدون رؤية خطة واضحة لليوم التالي في غزة، ويطالبون بإعطاء الأولوية المطلقة لتحرير من بقي حياً من الأسرى لدى "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، في غزة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها إسرائيل إلى عتبة إعلان الحرب على لبنان، فيتدخل البيت الأبيض، بالتفاهم مع قصر الإليزيه لمنعها، ولكنها المرة الأخطر، على اعتبار أنّها مطلب شعبي إسرائيلي له ما يبرره بعدما أخذت "الحرب الحدودية" أبعاداً خطرة، وبات "الاستنزاف" كبيراً!
ولا يمكن لإسرائيل أن تُهمل موقف البيت الأبيض وحلفائه، ففي الميزان العسكري والدبلوماسي توازي مواقف هذه الدول الثقل السياسي الذي بات يشكله ضغط سكان الشمال الهادف إلى إعلان الحرب على "حزب الله" وإيجاد منطقة أمنية داخل لبنان!
ويدرك الجميع أنّ الحرب على "حزب الله" لن تكون نزهة، فبالإضافة إلى الدراسات الإستراتيجية التي تصدر في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا التي تبيّن أنّ "حزب الله" أقوى بعشرة أضعاف على الأقل من "حركة حماس" في غزة، وسط معطيات جيو - سياسية معقدة للغاية، فإنّ الإدارة الأميركية التي تتحاور، من دون توقف، مع المسؤولين الإيرانيين، في عمّان، متأكدة من أنّ "حزب الله" لن يبقى وحيداً في الحرب، بل سوف تتدخل، بأمر مباشر وواضح وصريح وعلني، تنظيمات "جبهة المقاومة" في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى فلسطين، ضد إسرائيل، الأمر الذي يزيد الأعباء العسكرية على التحالف العسكري الغربي، سواء بالتدخل المباشر لامتصاص ضربات "جبهة المقاومة"، أو غير المباشر، من خلال توفير ما يمكن أن يطلبه الجيش الإسرائيلي من ذخائر.
والأعباء على حلفاء إسرائيل لن تقتصر على البعد العسكري، بل سيواجه هؤلاء مأزقاً جديداً مع الرأي العام الذي لم يعد يحتمل حرب غزة فكيف إذا تمددت إلى لبنان ومنها إلى المنطقة؟
والرادع الدولي هو مسألة مهمة بالنسبة لإسرائيل التي تتآكل مكانتها في العالم، إذ تدرك أنّها تحتاج، إذا بدأت الحرب على لبنان، إلى "فترة سماح"، على اعتبار أنّ لي ذراع "حزب الله" يحتاج إلى "التوحش" ضد بيئة هذا الحزب وضد بيئات أخرى يمكن أن يكون "حزب الله" قد أخفى فيها أسلحته الخطرة التي تمكنه من ضرب تل أبيب والمناطق "الذهبية".
ولا تتجاهل إسرائيل ما يملكه "حزب الله" من قوة، فوزير الدفاع يوآف غالانت وبعده الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس، خلال اجتماعات منفصلة عقداها، مع قادة الشمال، تحدثا عن الأثمان المرتفعة التي يفترض بالجميع ترقبها إن اندلعت الحرب.
ولكنّ كل ذلك على أهميته، لا يُلغي احتمال تدحرج "حرب الاستنزاف" على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية إلى حرب واسعة، ذلك أنّ "حزب الله" الذي لن يوافق على أي مفاوضات قبل أن تحط حرب غزة أوزارها، سوف يتلقى "ضربات جراحية" من إسرائيل، الأمر الذي سيدفعه إلى رد بعنف أكبر من ذاك الذي يعتمده، منذ أسابيع.
الحاجة إلى "تعنيف" حرب الاستنزاف، يمكن أن يقود إلى حرب قد يضطر "التحالف الغربي" إلى دعمها لأنّها ستكون مبنية على مشروعية فشل الجهود الدبلوماسية في توفير الأمان المستدام لسكان شمال إسرائيل الذين قد يلتهون لأيّام قليلة بالسياسة الداخلية على خلفية قرار غانتس الحكومي، ولكنهم سيعودون إلى الضغط والتهديد!
وعليه، لا بدّ من أن يلاقي لبنان الرسمي موقف "رباعية النورماندي" بضغط على "حزب الله" من أجل تقديم ما من شأنه تخفيض التصعيد، لأنّ الحبور والسرور بما ينجزه الآخرون قد لا يدوم، في بعض الأحيان، أكثر من أيّام قليلة، إذا لم يكن هؤلاء المحتفلون - وقد برز منهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي - يتمتعون بمواصفات مفترض توافرها بالمسؤولين الدستوريين!