تخفيض الدول الأعضاء في تحالف "أوبك بلس" إنتاج النفط بمقدار 1.65 مليون برميل يومياً حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2025، جاء نتيجة التحدّيات الجيوسياسية والاقتصادية. الأهم هو تماسك "أوبك بلس" لدعم الأسعار، بل تعمل السعودية ودول أخرى في المنظمة، على استكشاف خيارات أخرى. هكذا تسجّل الرياض نجاحاً آخر بعدم الاعتماد على مورد واحد، بل تنويع مصادر الإيرادات وتعزيز الاستدامة المالية.
لا داعي للقلق من تدني أسعار النفط، فالقطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية شهد خلال أيار (مايو) نمواً جيداً، مدفوعاً بالنشاط التجاري القوي وارتفاع معدلات الطلب الجديدة. على سبيل المثال، بلغ حجم أصول الجهاز المصرفي في السعودية 99 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2023، وهي نسبة أقل كثيراً مقارنة بدول متقدّمة أخرى، ما يعني انخفاض مستوى المخاطر الائتمانية في القطاع المصرفي السعودي. وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين، فإن أرباح البنوك السعودية فاقت التوقعات في الربع الأول من عام 2024، مرتفعة بنسبة 8.2 في المئة على أساس سنوي إلى 18.6 مليار ريال (5 مليارات دولار تقريباً). باختصار، وصلت مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى نحو 32 في المئة من حجم الإيرادات الكلية.
على الرغم مما سبق كله، تتخبّط وجهات النظر كالعادة حول السياسة الاقتصادية السعودية، خصوصاً التحليل الخاطئ (المقصود) لبعض المصارف ووسائل الإعلام العالمية. إلّا أن الرياض تعمل بحيوية خارج إطار التكهنات والمغالطات. على سبيل المثال، المملكة والمغرب يساهمان بـ 40 في المئة من إنتاج الأسمدة الفوسفاتية عالمياً، ووقّعت السعودية والبرازيل مذكرات تفاهم هامة للتعاون في مجال تطوير الاستثمارات، كما تعمل السعودية والهندوراس على تعزيز العلاقات التجارية الثنائية. أضف إلى ذلك اختيار السعودية في هذا الأسبوع عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027، علماً أن هذا المجلس يضمّ 54 دولة ومقره نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية.
يعكس هذا التطور نجاح إجراءات المملكة في توسيع القاعدة الاقتصادية. ولعلّ الجهات الإعلامية المتهورة تتعلم الدرس لتكون بياناتها مُنقحّة وصادقة قبل نشر معلومات مغلوطة. من يعلم؟ ربما تتراجع أسعار الفائدة، ويتخذ النمو العالمي مساراً أفضل، ما يساهم في زيادة الطلب على النفط.
وفي الوقت الذي تتأرجح فيه اقتصادات العالم، تعلن الرياض عن ميزانية تريليونية ونمو في الدخل والإنفاق. إضافة إلى ذلك، تركّز المملكة اليوم على توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، ما يوفّر مليون برميل كان يتمّ استخدامها لتوليد الكهرباء. كذلك، نقلت 127 شركة عالمية مقارها الإقليمية إلى السعودية خلال الربع الأول من عام 2024، بارتفاع نسبته 477 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. ولعلي أضيف، أن نسبة نمو الصكوك وأدوات الدين في السعودية بلغت 7.9 في المئة سنوياً منذ عام 2019، أي من 72 مليار ريال (1.9 مليار دولار تقريباً) في عام 2019، إلى 105 مليارات ريال (2.8 مليار دولار تقريباً) في عام 2023.
آخر الكلام... السياسة السعودية جادة، وذات صدقية، ولا يرهبها اللغط الإعلامي. وربما من أهم نتائج اجتماع "أوبك بلس" في الأسبوع الماضي، تعقيب الأمير عبد العزيز بن سلمان: "الاتهامات لـ ’أوبك بلس‘ بأنها جهة مثبتة للأسعار لن ترهب التحالف".
أتوقع أن الرسالة واضحة.