النهار

اللاجئون في مصر: الملف الغامض!
محمد صلاح
المصدر: النهار العربي
لا يوجد إحصاء رسمي معلن لأعداد اللاجئين في مصر، سواءً الذين وفدوا إلى البلاد مع أحداث ما يسمّى "الربيع العربي"، بعدما ضربت الاضطرابات والحروب والفوضى بلدانهم
اللاجئون في مصر: الملف الغامض!
فلسطينيون عند معبر رفح الحدودي مع غزة ينتظرون الإذن للدخول إلى الأراضي المصرية
A+   A-
"تتسبب الزيادة السكانية المضطردة، وارتفاع نسبة المواليد في تأكّل معدلات التنمية". تلك العبارة التاريخية الراسخة استخدمتها أنظمة الحكم والحكومات المتعاقبة على مدى عقود، لتبرير الأزمات الاقتصادية التي تنعكس آثارها على الظروف الحياتية للمصريين. ورغم البرامج التي اعتُمدت وملايين الجنيهات التي أُنفقت على مدى عقود، والمناشدات التي وُجّهت للمواطنين، ظلَّ تجاهل التحذيرات ومطالبتهم بتحديد النسل أمراً محيّراً، حتى وإن استند محلّلون إلى قناعات دينية، أو أفكار راسخة في الريف والمناطق غير الحضارية، لتفسير عزوف الناس عن التعاطي بإيجابية مع دعوات تنظيم الأسرة، حتى وصل الأمر حدّ مطالبة بعض الخبراء بإجراءات عقابية للأسر التي يتزايد عدد أفرادها من دون ضوابط، بحرمانها الاستفادة من الدعم الموجّه للسلع الأساسية، أو الحرمان من التعليم المجاني، أو العلاج على نفقة الدولة.
 
المهمّ أن هناك مشكلة مزمنة، ما جعل الناس يستغربون الغموض الذي تحيطه الدولة بملف اللاجئين، ورفضها اتخاذ إجراءات للحدّ من تدفقهم إلى البلاد، بعدما زادت الشكاوى من تأثير الظاهرة على أحوال الاقتصاد وارتفاع الأسعار، وكذلك ظهور مشاكل اجتماعية تتعلق بتمركز أبناء جاليات بعينها في مناطق محدّدة، في مدن بدأت تفقد هويتها المصرية، وتحولت إلى أماكن طاردة للمصريين في بلدهم!
 
لا يوجد إحصاء رسمي معلن لأعداد اللاجئين في مصر، سواءً الذين وفدوا إلى البلاد مع أحداث ما يسمّى "الربيع العربي"، بعدما ضربت الاضطرابات والحروب والفوضى بلدانهم، أو حتى الذين كانوا يقيمون في مصر بصورة مستمرة قبلها. والرقم الذي سمعه المصريون من مسؤولي بلدهم، وبينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، يدور حول 9 ملايين، لكن الأحاديث الرسمية في هذا الموضوع جاءت شحيحة دائماً، وفي سياقات تتعلق غالباً بتضحيات مصر وواجبها نحو أبناء الشعوب العربية، من دون الردّ على تساؤلات المصريين حول تداعيات الظاهرة التي زادت أخيراً بصورة كبيرة، حتى إن الإعلام الرسمي رفع تحفّظه على طرح القضية، بل انتقد التعامل الحكومي السلبي معها، لكن لم يحلّ أي مسؤول رسمي ضيفاً على برنامج تلفزيوني ليواجه غضب الناس أو استفساراتهم.
 
على ذلك، فإن العثور على موقف رسمي في هذه القضية بتفاصيلها يظل صعباً، والمرّة الوحيدة التي تحدث فيها الرئيس السيسي بإسهاب في الموضوع كانت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، لكنه كان يوجّه كلامه في جلسة "محاكاة مجلس حقوق الانسان" بمنتدى الشباب العالمي إلى الغرب منفعلاً، قائلاً: "أنتم تصرخون من 10 أو 20 ألف لاجئ ورفضتم استقبالهم وشحنتوهم إلى بلادهم وتركتوهم يواجهون مصيرهم المجهول، بينما نحن دولة ’على قدّها‘ في الإمكانيات، ومع ذلك استقبلنا أكتر من 6 ملايين بني آدم من كل أرجاء العالم، وهذا رقم كبير جداً، ولم نمنع أي إنسان طلب القدوم إلينا، ولم نضعهم في معسكرات، وحتى نرفض أن نسميهم ’لاجئين‘ فعاشوا معنا، وهم في مجتمعنا ’بيشتغلوا وبياكلوا ويشربوا ويتعلموا ويتعالجوا، واندمجوا وسط شعبنا، وحصلوا على كافة حقوق المصريين من علاج وتعليم ورعاية صحية وسكن، وما تكلمنا وما شكونا، ولا رفضنا دخولهم بلدنا، ولا تركناهم يواجهون المخاطر، ولا دفعناهم إلى الموت والغرق في المتوسط ليذهبوا إليكم في أوروبا، وفعلنا ذلك بتواضع ’من غير ما نتكلم". 
 
في مقطع آخر، أضاف الرئيس السيسي: "أنتم في الغرب دول مستقرة وعددكم لم يزد منذ أكثر من 50 سنة، ولديكم نظامكم السياسي الذي ارتضيتموه لأنفسكم، لكن المشكلة أنكم تريدون فرضه علينا وعلى العالم من دون دراية بظروف كل بلد وحال كل مجتمع مختلف عنكم (...) فحقوق الإنسان لا تقتصر على جانب واحد فقط فى مناحي الحياة". وتساءل: "من كان السبب في الصراعات والحروب اللي حصلت في منطقتنا ودمّرت كل الدول اللي حولنا ولم ينج من شرها غير مصر، وتسببت في تشريد وتهجير كل تلك الملايين من البشر حول العالم؟ كل هذه الكوارث من كان سببها؟؟".
 
اللافت أن حواراً وطنياً يتمّ في مصر من أكثر من عام، تجري فيه مناقشة قضايا مهمّة وحسّاسة، بينها الحرّيات وحقوق الإنسان ومتاعب المعارضة وأوضاع الاقتصاد والتعليم والخدمات الصحية والأسعار ومعدلات الإنفاق وأولويات المشرعين. وتشارك في اجتماعات الحوار ولجانه شخصيات مرموقة من المعارضين والسياسيين، لكن ملف اللاجئين، الذي لا يتوقف الحديث عنه بين الناس وفي مواقع التواصل الاجتماعي، غائب وغير مطروح للنقاش. 
 
صحيح أن المواطن المصري، ولظروف كثيرة، يبدو كأنه غير مهتم بالسياسة في الأساس، لكن لغز تجاهل المعارضة فتح الملف في اجتماعات الحوار الوطني، رسّخ القناعات لدى بعض الناس الذين ينظرون إلى المعارض السياسي في مصر على أنه "مستأنس"، حتى لو كان أحدهم صاحب تاريخ سياسي عريق ومواقف وطنية نبيلة، ولم يتحالف يوماً مع "الإخوان"، وتفادى طوال تاريخه التعامل مع المنظمات الحقوقية الخاصة والمراكز البحثية الغربية. وليس سراً أن سمعة المعارضة تعرّضت لأضرار بالغة بفعل سلوك المعارضة ذاتها وبعض الشخصيات المحسوبة عليها في أثناء "الربيع العربي" وبعده.
 
هنا، لا مجال لحديث عن موقف "الإخوان"، فعناصرهم خرجوا من مسرح السياسة إلى ساحة الإرهاب، وتحولوا بعد ثورة الشعب المصري ضدّ حكم محمد مرسي إلى تنظيم يطلب الثأر من السيسي والجيش والشعب المصري، فتركوا العمل السياسي وتفرّغوا للنشاط الانتقامي، واستخدموا أزمة اللاجئين لتحريض المواطنين ضدّ الحكم، وفي الوقت نفسه تحريض اللاجئين ضدّ الشعب المصري. ويبدو أن قوى المعارضة الأخرى لم تعثر بعد على الطريق الذي يفترض أن تسير فيها، ولا يبدو أنها من الأساس تبحث عن طريق!
 
لم يعترض المصريون على تدفق المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بينما يُظهرون غضبهم من ارتفاع أعداد اللاجئين العرب وتجاهل الدولة مخاوفهم وفتحها الباب على مصراعيه لمزيد من "الضيوف"، علماً أن أكثر من 70 في المئة من المساعدات المقدّمة لأهل غزة سلع غذائية يتمّ جمعها من الأسواق المصرية التي يشكو المواطن المصري من وطأة الأسعار فيها. 
 
لكن هذا المواطن يقدّر معاناة الفلسطينيين وواجبه في دعمهم، بينما يستغرب التغاضي عن وقف تدفق اللاجئين، أو اتخاذ إجراءات بهدف التقليل من أعدادهم، خصوصاً استمرار بقاء بعضهم في مصر رغم عودة الهدوء والاستقرار إلى دولهم، ويطلب الردّ على تساؤله المنطقي: "كيف تطالب الدولة المواطنين بتنظيم النسل وفقاً لدخولهم ومواردهم، بينما لا تُقدم هي على تنظيم اللجوء إلى مصر وفقاً لدخلها ومواردها؟".
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium