يستحق إعلان زامير كابولوف، المسؤول في وزارة الخارجية الروسية، في 11 حزيران (يونيو) الجاري عن "تعليق موقت" لاتفاقٍ للتعاون الشامل بين موسكو وطهران التوقف عنده والتبحّر في الأسباب والدوافع، التي أدّت إلى ما أدّت إليه من تساؤلات عمّا إذا كانت العلاقات الروسية - الإيرانية تعاني انتكاسة ما.
الأمر الشديد الوضوح، والذي لا يحتاج إلى تفسيرات كثيرة، هو أن موسكو رمت الكرة في ملعب طهران، عندما قال المسؤول الروسي نفسه: "العملية توقفت بسبب المشاكل التي تواجه شركاءنا الإيرانيين". والمسألة تتعلّق أساساً باتفاق "الشراكة الشاملة" بين روسيا وإيران، الذي يمتد 20 عاماً. وتمّ الإعلان عنه في أيلول (سبتمبر) 2022 خلال اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني وقتذاك إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادث تحطّم مروحية في 19 أيار (مايو) الماضي.
وفي ردّ يحمل علامات الاستفسار، أعلن كاظم جلالي، السفير الإيراني لدى موسكو، أن طهران "لم تعلّق اتفاق التعاون الجديد" مع روسيا. هذا الردّ الإيراني استدعى موقفاً من سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الذي أكّد أن موسكو ستوقّع على الاتفاق "ما إن تحلّ إيران بعض الأمور الإجرائية".
ملاحظٌ أن هذا التطور أتى عقب وفاة رئيسي الذي كان معروفاً بأنه من دعاة "الخيار الشرقي"، أي التوجّه نحو نسج علاقات استراتيجية مع روسيا والصين، رداً على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي ونشاطها الإقليمي.
لكن، في الوقت نفسه، مستبعدٌ أن يكون حصل تغيير ما في السياسة الخارجية الإيرانية، على الأقل قبل أن تتضح هوية الرئيس المقبل في ضوء الانتخابات المقرّرة في 28 حزيران (يونيو) الجاري.
ووطّدت روسيا وإيران علاقاتهما في السنوات الأخيرة، وعارضتا ما تعتبرانه سياسة خارجية أميركية ضارّة، في مسعى إلى إقامة ما تصفانه بنظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة.
وبعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، زودت طهران موسكو بمسيّرات "شاهد 36"، التي تلعب دوراً رئيسياً في الهجمات الروسية على البنى التحتية الأوكرانية. وكان البلدان في صدد استكمال إجراءات أخرى في مجال التعاون العسكري، تشمل تزويد روسيا إيران بمقاتلات "سوخوي 35" المتطورة. وسرت أنباء في الغرب عن تزويد إيران روسيا بصواريخ متوسطة المدى من طراز "فاتح 110"، لكن طهران تنفي هذا الأمر بشدّة.
وعلى المستوى العلني، لم يحدث ما يُشير إلى تصادم لافت للانتباه بين روسيا وإيران في سوريا، حيث تتشابك مصالح الدولتين هناك، على الرغم من احتفاظ كل جانب منهما بقدر من الاستقلالية في تأمين مصالحه في هذا البلد. وهناك حذر إيراني من "التنسيق" بين الجيشين الروسي والإسرائيلي لمنع الاشتباك بينهما في الأجواء السورية، بينما موسكو تتحفظ عن انتشار فصائل موالية لإيران جنوب دمشق، قرب الحدود السورية - الإسرائيلية.
وفي مطلع حزيران (يونيو) الجاري، صوّتت روسيا إلى جانب الصين ضدّ قرار طرحته الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، يندّد بعدم تعاون طهران مع الوكالة. وهذا ينمّ عن عدم تغيير في الموقف الروسي المناهض لسياسة العقوبات والإنذارات التي تلجأ إليها الولايات المتحدة وأوروبا في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.
وحتى ما يتردّد عن اتصالات أميركية - إيرانية بواسطة القنوات الخلفية ليس بالأمر الجديد الذي يمكن أن يتسبب في استياء روسيا.
تبقى نقطة وحيدة، وهي أن الإعلان الصادر عن الجانب الروسي، والذي يلقي بمسؤولية تعليق اتفاق التعاون على إيران، قد يشير إلى أن الكرملين يفضّل الانتظار لمعرفة هوية الرئيس الإيراني الجديد، قبل أن يمضي في وضع الاتفاق موضع التنفيذ، خصوصاً أن ثمة في إيران من يدعو إلى التزام سياسة "لا غربية ولا شرقية".