في كل عام وعلى مدى عشرة أعوام، كلما اقترب حزيران (يونيو) من نهايته، تظهر أعراض الجنون على قادة تنظيم "الإخوان" الإرهابي وعناصره، فيرتكبون حماقات تزيد تنظيمهم سقوطاً وفشلاً وانهياراً، وهم جيّشوا أنفسهم وحشدوا منصاتهم ونسّقوا مع دول وجهات وقنوات تلفزيونية ومراكز سياسية وبحثية وأجهزة استخبارات، استعداداً لمهرجان كبير عماده البذاءة والسوقية، وذخيرته مواد إعلامية حافلة بالأكاذيب والفبركات والتدليس، والهدف الانتقام من الشعب المصري الذي ثار ضدّ حكم التنظيم وطرد قادته في 30 حزيران (يونيو) 2013.
وصعّد التنظيم الحملة التي تبنّاها على مدى أعوام للإساءة إلى الجيش المصري، الذي استجاب للإرادة الشعبية ونزع السلطة عن تنظيم إرهابي كان طموحه الانطلاق من مصر للاستحواذ على السلطة في دول عربية أخرى، بالتآمر مع أجهزة استخبارات وتنظيمات وجماعات راديكالية محلية في تلك الدول، بينما كثّف إعلام الجماعة السعي إلى التقليل من شأن كل إنجاز حققه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتشويه كل قرار اتخذه، وتصيّد كل خطأ وقع فيه، والبكاء على حائط مشروع النهضة "الإخوانجي" الذي كان محمد مرسي قد أعلن تفاصيله، وبشّر المصريين بأن تحقيقه سينقلهم إلى عالم الرفاهية والتقدّم والثراء، بعدما أوضح أن المشروع عبارة عن طائر بمكوناته الثلاثة: الرأس والجسم والمؤخّرة!
تزامن اقتراب موعد الذكرى المؤلمة بالنسبة إلى "الإخوان" مع زيارة الرئيس السيسي للمملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وكل من تابع ردّة فعل عناصر التنظيم بمجرد وصول الرجل إلى الأراضي المقدسة، لاحظ أن السيسي أصابهم بمرض عصبي تمكّن منهم، إذ حفلت منصات التنظيم بمواد تعكس حالة سعار ومشاعر مصدومة ومخزون غل وكراهية وحقد، جعلت "الإخوان" يستخدمون كل مفردات قاموس البذاءة ومراجع السوقية، التي استمروا يعرضونها على الناس على مدى الأعوام الماضية، للسخرية من مشاهد السيسي أثناء تأديته المشاعر، واستخدام كل العبارات المنحطة للإساءة إليه، وإقناع الناس بأن الله لن يقبل منه أداء الفريضة! وكأن التنظيم أراد أن يثبت من جديد أن اعتماده في تجنيده عناصره على التلقين لم يكن سوى تلقين لوسائل خارجة عن الأخلاق للانتقام من أعداء التنظيم ومخالفيه.
عموماً، استخدم "الإخوان" رحلة حج السيسي واقتراب ذكرى ثورة الشعب المصري ضدّ حكم التنظيم، لدعوة الشعب المصري إلى التظاهر في عيد الأضحى. وكالعادة، فشلت الدعوة وانصرف الناس عن الاستجابة لها، بل سخروا منها وبالغوا في مظاهر الاحتفال بالعيد نكاية في "الإخوان"، ليضاف الفشل إلى سلسلة طويلة من التصرفات الطائشة والقرارات الخائبة والسياسات التي لم يربح التنظيم من ورائها إلّا المزيد من الرفض الشعبي، بعدما فَقَد وجوده على الأرض، رغم استعانته، لفترة طويلة، بمحاولات إرهابيين آخرين ذهبوا إلى مصر، في مرحلة الفوضى، من كل بلد هُزموا فيه، لينصروا إخوانهم الإرهابيين المهزومين في مصر، متسلحين بدعم مالي خارجي وإعلامي "إخوانجي"، وبغطاء نسجه كل طرف أو جهة أو شخص تعرّض للضرر أو تأثرت مصالحه برحيل "الإخوان" من الحكم، أو انتظر مكافأة على ما اعتبره مساهمة منه في إسقاط "الإخوان" ولم ينلها.
استخدم "الإخوان"، وما زالوا، مأساة فلسطين وقضية القدس والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وأزمات ومعضلات عربية أخرى، لخدمة أهداف الجماعة للانتقام من الدول التي تصدّت لهم، ومحاولة القفز على السلطة، وإطاحة الأنظمة والحكومات وأخونة الدول والمجتمعات. وما زال الناس يسألون حين يسمعون "الإخوان" يردّدون الهتافات التي تطالب بفتح الحدود، ويشاهدون منصاتهم ترفع اللافتات وحناجرهم تطلق الشعارات: ماذا يمنعكم؟ لماذا لا تذهبون إلى فلسطين؟ ماذا يحول بينكم وبين الوصول إلى القدس والاستشهاد فداء لها؟ لكن المناخ العام والتصرفات الإسرائيلية والسياسات الأميركية، إضافة بالطبع إلى ضعف العرب وقلّة حيلتهم، أمور صبّت دائماً في مصلحة "الإخوان"، وجعلت البعض يصدّقهم حين يدّعون أن الأنظمة الحاكمة تحول دون فتح الحدود وإفساح المجال لهم لتحرير القدس والذهاب هناك بالملايين.
خطط تنظيم "الإخوان" الإرهابي لا تشمل بث الطاقة السلبية بين الناس وتزييف الحقائق وتزوير الأخبار والتاريخ وزرع الفتن واستغلال كل حدث لتزييف الوعي والتحريض على العنف فحسب، من مباريات الكرة إلى رحلة السيسي إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، لكن تتضمن أيضاً الهجوم على داعم للدولة في مصر، والاغتيال المعنوي لكل رأي معارض للإخوان أو كاشف مؤامراتهم أو فاضح لتحالفاتهم مع إسرائيل وأجهزة وجهات غربية، واستخدام أسلوب الردع بالكراهية الذي ابتكرته أجهزة الاستخبارات، لتشويه صورة كل مواطن دافع عن بلده وأشاد بجيشه وفضّل مصلحة الوطن على مصالح التنظيم الإرهابي، لإرغامه على السكوت والصمت تجاه ما يُحيكه "الإخوان" وحلفاؤهم من مؤامرات، ليخشى أن تتعرض سمعته للخدش أو مكانته للإحراج إذا تحدّى "الإخوان"، وأصرّ على التصدّي لجرائمهم.
يُرجع محلّلون حالة الجنون لدى عناصر "الإخوان" وقادتهم إلى أن حكمهم مصر عاماً كاملاً أفرز حالة من الانتعاش لديهم، وكذلك باقي التنظيمات الإرهابية، فرسمت أحلاماً بالتوسع والزحف من مصر لتحكم باقي الدول العربية، ضاعت وانقلبت كوابيس بفعل الرفض الشعبي لهم، فكانت ردّة الفعل العودة إلى ممارسة الإرهاب بدعم من قوى محلية وإقليمية ودولية لإنهاك الدولة المصرية ومؤسساتها، سعياً إلى تسجيل الحضور في المشهد بعدما خُلعت عن مقاعد الحكم.
نعم، تعرّض "الإخوان" لهزيمة كبرى في مصر، لكن الجماعة لم تنتهِ، وأصبح لها طابور خامس في الداخل ومنصات إعلامية في الخارج. مع ذلك، الحياة تسير في مصر رغم الصعوبات والأزمات، والمصريون طوا صفحة "الإخوان" واعتبروها مجرد ماضٍ، وما زالوا يسخرون من العبارة الشهيرة للقيادي "الإخوانجي" محمد البلتاجي: "إنّ ما يحدث في سيناء يمكن أن يتوقف إذا ما تراجع السيسي وأعاد محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي".
لا يصدّق الكائن "الإخوانجي" أن باقي البشر من خارج تنظيمه لم يتربّوا مثله على السمع والطاعة، ولا يؤمنون بالتقية، ولا يرتكبون الجرائم طالما ذلك في صالح التنظيم، وينفّذون أوامر المرشد أو الأمير أو الزعيم أو السيد، حتى لو كان يأمرهم بتنفيذ فعل محرّم شرعاً ومجرم قانوناً وغير مقبول أخلاقياً. لذلك يستغرب ذلك الكائن رفض العقلاء منطق "الإخوان" وأفكارهم ومبادئهم، واعتراض الناس على سلوك قادة التنظيم وخداعهم لعناصر الجماعة، ورفض المجتمع لانحرافات القادة والعناصر، وتصدّي المواطن وكشفه للأكاذيب والتدليس والانفلات القيمي لدي التنظيم. ويتعجب الكائن "الاخوانجي" بشدة من إعمال الناس عقولها، إذ تعوّد أن يلغي عقله ويلبّي أوامر قادته من دون اعتراض أو نقاش أو جدال. ويخلص في النهاية إلى أنه يعيش في مجتمعات فاسدة جاهلة، ويعتبر أن خروجه عن بوتقة التنظيم مفسدة كبرى، وأن المصريين لا يستحقون طائر النهضة!