"قمة السلام"، كما تسميها أوكرانيا، التي انعقدت في منتجع بورغنستوك الجبلي السويسري السبت والأحد، كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها المشاركون عن ضرورة مشاركة روسيا فيها، وإلا لن يكون ثمة جدوى من انعقاد مثل هذه القمم.
والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أراد من القمة أن تكون منصة دولية للضغط على موسكو، قال للمرة الأولى، إنه سيتقدم بمقترحات سلام لروسيا تحظى بموافقة المجتمع الدولي، بما يمثل تخلياً عن خطته ذات النقاط العشر التي تمسك بها منذ عامين والمرفوضة شكلاً ومضموناً من الكرملين ولا يراها صالحة أساساً للتفاوض.
ما الذي قاد زيلينسكي إلى ما يمكن وصفه ببدايات الواقعية؟ هنا يجب الالتفات إلى مواقف دول مؤثرة كالصين، التي رفضت المشاركة في المؤتمر من دون روسيا، بينما اكتفت الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وهي دول تقيم علاقات وطيدة مع الكرملين، بإيفاد وفود ولم تشارك على مستوى الرؤساء. تركت هذه المواقف تأثيراً لا يمكن إنكاره في جعل أوكرانيا تتخذ مواقف أكثر ليونة.
وإذا كنا لا نريد اقحام التوازنات القائمة على الجبهة في عملية تعديل الموقف الأوكراني، فمن الضروري الأخذ في الاعتبار، أن محاولة أوكرانيا ومن خلفها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، أخفقت في عزل روسيا دولياً. وعلى سبيل المثال، زادت في العامين الأخيرين التبادلات التجارية بين روسيا وكلٍّ من الصين والهند إلى مستويات قياسية. ولم تستجب بكين ونيودلهي لضغوط أميركية وأوروبية للانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وتعكس كلمات بعض الوفود إلى قمة سويسرا مزاجاً عالمياً يحض أوكرانيا على التحلي بموقف أكثر مرونة إذا كانت تريد أن تحظى بدعم دولي أكبر.
الرئيس الكيني وليم روتو، اعتبر أنّ "التزاماً من أجل السلام يجعل بعض التنازلات الأساسية أمراً لا بد منه"، مؤكداً أنه للنجاح في صنع السلام ينبغي أن "يجتمع الأصدقاء والأعداء".
وفي ما يشكل تناغماً مع الرأي القائل بأن قمة السلام لن تكون مفيدة في غياب موسكو، قالت الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد بوضوح، إن هناك تصوراً لمشاركة روسيا في مؤتمرات قمة مستقبلية حول أوكرانيا. وهذا ما نادى به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بتأكيده أن "أيّ عمليّة ذات صدقيّة تتطلّب مشاركة روسيا".
وللمرة الأولى أيضاً يتحدث البيان الختامي للقمة عن "ضرورة اشراك كل أطراف" النزاع في هذه العملية.
وعلى الضفة الأخرى، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرد باقتراحات تعبر عن الاستياء من استبعاد روسيا من اجتماع يقال إن غرضه تحقيق السلام، فطرح خطة هي الحد الأقصى من المطالب الروسية المتمثلة في انسحاب أوكرانيا من أربعة إقاليم ضمتها روسيا والتعهد بعدم الانضمام إلى الأطلسي. لكن الكرملين الذي لا يزال يكرر أن السلام لا يمكن أن يبرم مع زيلينسكي شخصياً، أكد مجدداً استعداده للتفاوض.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تتجه معظم الدول المعنية بالنزاع الأوكراني إلى اتخاذ مواقف مبنية على حسابات تأخذ في الاعتبار احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وترامب يؤيد وضع حد للنزاع بالمفاوضات ويؤكد أنه قادر على اقناع بوتين بالذهاب إلى تسوية دبلوماسية.
البديل من التفاوض يأخذ الأمور إلى تصعيد يضع روسيا في مواجهة مباشرة مع حلف شمال الأطلسي. هذه المواجهة ستكون بين قوى مسلحة نووياً، وترسم سيناريوات كارثية أمام أوروبا والعالم، ولا يوجد فيها منتصر.
زيادة الدعم التسليحي الغربي لأوكرانيا والسماح لها بضرب أهداف في الداخل الروسي، وردّ موسكو بمناورات نووية تكتيكية على حدود أوكرانيا، تقرب الصدام المباشر بين روسيا والغرب، وتحمل الكرملين على التقارب أكثر مع الصين وكوريا الشمالية وكوبا وإيران وفنزويلا.
ووسط هذا التصعيد غير المسبوق في النزاع، يتعين البحث عن لحظة تعقل تكبح جماح الاتجاه إلى الهاوية. لعل قمة سويسرا تشكل بداية لعقلنة الجميع وتبريد الرؤوس الحامية.