إذا استمرت إسرائيل في معارضة قيام دولة فلسطينية مستقلة، فلن توافق السعودية على تطبيع علاقاتها مع الدولة اليهودية. في المقابل، لن تمنح واشنطن الرياض ضمانات أمنية رسمية. إنها صفقة كبيرة مثلثة الأضلاع، روّجت لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في السنوات الأخيرة، وإن انكسر ضلع فيها، انهارت كلها.
لنفترض أن معاهدة دفاعية أميركية - سعودية قد تمّت، سواءً بالتطبيع السعودي - الإسرائيلي أو باتفاق ثنائي منفصل بين الولايات المتحدة والسعودية، فما الذي يتطلّبه إنجاح مثل هذا الترتيب الدفاعي التاريخي الفريد من نوعه في المنطقة؟ هذه قضية لم تلقَ الاهتمام أو التدقيق اللازمين في واشنطن أو الرياض، على الرغم من أهميتها البالغة.
وبقدر أهمية الاتفاق الأميركي - السعودي على معاهدة دفاع مشترك، فإن مضمون هذه المعاهدة وحُسن تنفيذها لا يقلّان أهمية. ولتتحلّى المعاهدة الدفاعية الأميركية - السعودية، أو أي معاهدة أخرى في السياق نفسه، بالصدقية السياسية وبالفاعلية العسكرية، يجب أن تطال ثلاثة مستويات: الاستراتيجي والمؤسسي والعسكري، على أن يكون كل مستوى متمماً للمستويين الآخرين.
يشير الجزء الاستراتيجي من المعاهدة إلى اللغة المستخدمة في نصّها، إذ تحدّد المملكة العربية السعودية حليفاً للولايات المتحدة بموجب معاهدة معقودة بين البلدين - وهذا وضع لا يتمتع به أي شريك آخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط (باستثناء تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي) – وتقنن التدخّل العسكري الأميركي والسعودي في حال وقوع هجوم ضدّ أي طرف من الطرفين.
لن يكون صوغ تلك اللغة سهلاً. فمن ناحية، قد يجد الطرفان نفسيهما محاصرين في الكثير من تفاصيل الأحوال التي قد تُجبر أياً منهما على الدفاع عن الآخر. ومن ناحية أخرى، ربما يسمح الإفراط في الغموض للخصوم - وعلى رأسهم إيران - باستغلال الثغرات واختبار قوة التحالف. لذا، يجب تحقيق التوازن لضمان الردع.
وما أن يفهم الطرفان بشكل واضح التزاماتهما الأمنية المتبادلة، يتعيّن عليهما إنشاء أو تطوير آليات مؤسسية/بيروقراطية مشتركة، لتعزيز الجهود التي يبذلها المسؤولون المدنيون والعسكريون في البلدين لتنفيذ بنود المعاهدة.
يمثل الحوار الاستراتيجي الأميركي - السعودي، الموجود فعلاً والذي يُعقد سنوياً، منتدىً جيداً للجانبين كي يتشاورا في القضايا المهمّة الواردة في نص المعاهدة، يشارك في رئاسته وزير الدفاع الأميركي (أو وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية) ووزير الدفاع السعودي، على أن تكون مهمّتها الرئيسية تقديم التوجيه الاستراتيجي للكيانات المشاركة في تنفيذ بنود المعاهدة.
يجب أن يكون هذا الحوار الاستراتيجي مدعوماً بهيكلية أدنى مستوى، ولكن لا تقلّ أهمية، مهمّتها التعامل مع المسائل العسكرية والتقنية والموضعية الطويلة الأمد، ويمكن تسميتها لجنة عسكرية مشتركة (هذا ما تقوم به الولايات المتحدة مع شركاء عرب عديدين يتلقّون دعماً عسكرياً أميركياً سنوياً).
سيكون الهدف الرئيسي لهذه اللجنة تقييم تنفيذ بنود المعاهدة الدفاعية ومراقبتها. وستوضح كيف يمكن الولايات المتحدة أن تضع قدراتها العسكرية في تصرف المملكة على أفضل وجه، وكيف يمكنها مساعدة السعودية في تطوير قدراتها العسكرية، وكيف يمكنها دعم الإصلاح الدفاعي السعودي الحالي لتعزيز قدرات مؤسسة الدفاع السعودية. سيرأس اللجنة وزير الدفاع السعودي ومساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستراتيجيا والخطط والقدرات (بدعم من نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لسياسة الشرق الأوسط).
يشكّل هذا الكيان تحدّيين للسعوديين، وإن لم يكونا عصيين على الحل. التحدّي الأول هو القدرات البشرية السعودية. فالرياض، مثلها مثل العواصم العربية الأخرى، تفتقر إلى كوادر بشرية مؤهلة في وزارة الدفاع من ذوي المهارات على مستوى العمل.
أما التحدّي الثاني، وقد يكون أكبر من الأول، فهو تمكين هؤلاء المسؤولين السعوديين والسماح لهم برسم السياسة السعودية بأساليب غير مسبوقة. وهذا الأمر غاية في الأهمية، فإذا رأى المسؤولون الأميركيون أن نظراءهم السعوديين لا يتمتعون بالسلطات اللازمة، أو لا يتمتعون بأي سلطة على الإطلاق، فإن هذا التعاون يفقد الكثير من صدقيته وأهميته.
إن إحراز تقدّم على المستويين الاستراتيجي والمؤسسي يفيد القوات المسلحة الأميركية والسعودية بشكل كبير. فبوجود الوضوح الاستراتيجي الكافي والتوجيه المدني الفعّال، تتاح للجيشين الأميركي والسعودي فرصة أفضل لتنفيذ معاهدة الدفاع المشترك والحفاظ عليها.
سيكون الجيشان الأميركي والسعودي قادرين على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، ووضع عمليات وإجراءات عسكرية تتوافق مع روح المعاهدة. وسيكون التخطيط المشترك للطوارئ - الذي سيركّز على كيفية تعزيز الردع، وفي حال فشل هذا الأخير، كيفية الردّ بشكل جماعي على أي هجوم على أي من الجانبين – في رأس أولويات الجيشين. ويأتي بعد ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على المناورات العسكرية المشتركة التي ستكون أكثر جدّية وتعقيداً من أي تدريب قام به السعوديون والأميركيون معاً. فمن شأن هذه المناورات أن تحدّ من قدرة إيران على تهديد المصالح الأمنية الأميركية والسعودية.
لن يكون أي من هذه المراحل سهلاً ومباشراً، فالدولتان أهملتا التعاون الدفاعي الجاد، أو لم تركّزا عليه بشكل كافٍ، عقوداً من الزمان. وببساطة، لا إرث من هذا التعاون السابق يمكن ذكره. في عملية "درع الصحراء" في عام 1990، دافعت الولايات المتحدة عن المملكة العربية السعودية من صدام حسين. وبعد فترة وجيزة، حرّرت الكويت من الاحتلال العراقي. وقد وفّرت السعودية للولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى أراضيها، وموّلت الجزء الأكبر من العمليات العسكرية الأميركية. لكن السعوديين لم يشاركوا في القتال مع الأميركيين إلّا قليلاً، ولم يتغيّر الوضع كثيراً منذ ذلك الحين.
يتطلّب التحول إلى نهج أمني أكثر جماعيةً تحولاً ثقافياً كبيراً، سواءً في الرياض أم في واشنطن، وهذا ليس مستحيلاً. لكن الأمر سيستغرق سنوات عديدة قبل أن تصبح المعاهدة الدفاعية الأميركية - السعودية جديرة باسمها.
*بلال صعب، مستشار ورئيس برنامج الدراسات الأميركية الشرق أوسطية - تريندز للبحوث والاستشارات