النهار

مفكّرينا هنود؟
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
استوقفتني إشاعة غريبة راجت خلال الأيام الماضية عن تظاهرات احتجاجية مزعومة للجالية الهندية في دبي، للمطالبة بممثلين لها في المجلس الوطني
مفكّرينا هنود؟
هنود في الامارات
A+   A-
استوقفتني إشاعة غريبة راجت خلال الأيام الماضية عن تظاهرات احتجاجية مزعومة للجالية الهندية في دبي، للمطالبة بممثلين لها في المجلس الوطني، أي البرلمان الإماراتي. فكيف يحدث كل هذا الهرج والمرج في شوارع مدينتي من دون أن أعلم بالأمر؟
 
لقد تكفّل العقلاء، ومن يبجّلون الحقيقة، بتوضيح أن مقطع الفيديو لم يكن سوى مشاهد من الاحتفالات الجنونية للجالية الهندية بانتصار منتخبها للكريكيت على الجارة اللدود باكستان. لا تظاهرات إذاً، ولا شغب، ولا هم يحزنون.
 
ولكن، من أطلق الإشاعة كان يختبر قدراته الكوميدية - كما يعتقد - في الإساءة - كما يعتقد - للإمارات. ولكي تكتمل أركان النكتة - كما يعتقد - كان يجب أن يزجّ بالجالية الهندية خصيصاً.
 
لماذا لم يستخدم مقطع فيديو لاحتفالات أبناء أي من الجاليات العربية - وهم يُقدّرون بالملايين في الإمارات - ويزعم أنهم يتظاهرون لانتزاع مقعد في البرلمان الإماراتي - وهي كذبة تافهة ومستحيلة في حدّ ذاتها -؟ ولماذا لم يلصق التهمة بأيّ من الجاليات الأوروبية المتزايدة؟ أو حتى أبناء شرق آسيا، كالجالية الفيليبينية التي يزيد عددها على النصف مليون؟  
 
كان يجب أن يستعين بالجالية التي يكنّ لها في لاوعيه القدر الأعظم من الاحتقار والاستصغار، الأمر الذي يجعل فكرة مطالبتها بالمقعد البرلماني مدعاة أكبر حتى للضحك الهستيري، ومنقصة أقسى حتى في حق الإمارات. إنه غالباً العقل الفذّ نفسه الذي يستهزئ ببريطانيا بسبب جاليتها الهندية، ويراها بلداً "مستباحاً ومنعدم الهيبة"، ولا يعيب الأمر ذاته على ألمانيا بجاليتها التركية العريضة. 
بالعربي، إن الاشاعة كانت مضحكة ومهينة للإمارات لأنهم هنود تحديداً، أفهمتم؟
 
لقد قرأنا ما بين السطور واستوعبناه، وهنا ليسمح لنا متداولو الإشاعة باستخدام عبارتهم المفضلة - غالباً - للتعبير عن استنكارهم محاولات استغبائهم، "شو مفكرينا هنود؟".
 
لا أحسب أحداً في الإمارات ينكر الخلل في التركيبة السكانية، والتي يشكّل الهنود السالفو الذكر 38% منها. إنه موضوع أُشبع جدالاً ونقاشاً وكتابة وتذمراً وتساؤلاً، حتى أن لدينا ما يُعرف بـ"المجلس الوطني الاتحادي للتركيبة السكانية"، والذي يستهدف تحقيق التوازن السكاني في الدولة.
 
ولكن، ليعلم المغفلون بأننا في الإمارات لا نحمل "وصمة عار"  - كما يعتقدون - اسمها الجالية الهندية، ولا يلمس وجودها وتراً حساساً - كما يعتقدون - فينا، لتصبح إشاعة سخيفة عن تظاهرها لدخول البرلمان الإماراتي موجعة لإبائنا وكرامتنا  - كما يعتقدون -. إننا لا نشعر بالوضاعة  - كما يعتقدون - لمجاورتنا هذه الجالية، ولسنا في حالة دفاع دائمة - كما يتوقعون منا أن نكون -، فـ"نبرأ إليهم" من الهنود. 
 
لا نخجل - كما تعتقدون - من جالياتنا، ولن تلووا ذراعنا - كما تعتقدون - بضيوفنا الذين يربو عددهم على الـ200 جنسية. منذ عقود خلت، أجزم بأننا لم نعد نشارككم الهوس نفسه - ربما لأنكم ما زلتم تحيون في عالم منغلق ومحدود، أو لأنكم حديثو عهد بالتعايش - بجوازات السفر والأعراق والسحنات، خصوصاً الأجيال الإماراتية الشابة.
"شو مفكّرينا من القرون الوسطى؟".
 
 

اقرأ في النهار Premium