النهار

روته... وكوابيس إسرائيل والناتو!
عمّار الجندي
المصدر: النهار العربي
وصلت عملية تعيين الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى محطتها الأخيرة، بعد أشهر من التداول والمنافسة، ظهرت الخميس الماضي بالإعلان أن الاختيار وقع على مارك روته
روته... وكوابيس إسرائيل والناتو!
مارك روته، الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (أ ف ب)
A+   A-
وصلت عملية تعيين الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى محطتها الأخيرة، بعد أشهر من التداول والمنافسة، ظهرت الخميس الماضي بالإعلان أن الاختيار وقع على مارك روته، رئيس وزراء هولندا المنتهية ولايته. ومقررٌ أن يصادق زعماء الدول الأعضاء الـ 32 على تولّيه المنصب في قمّتهم التي تُعقد في واشنطن في تموز (يوليو) المقبل، وأن يباشر مهامه في 2 تشرين الأول (أكتوبر). وكان الزعيم الهولندي الشهير بابتسامته التي تخفي إرادة صلبة وقدرة مميزة على العناد، حملت نظراءه الأوروبيين على تسميته "السيّد لا". وساعده هذا التصميم في المناورة لتذليل عقبات كان يمكن أن تحول دون حصوله على المنصب الذي لا يفوز به المرشح من طريق صندوق الاقتراع، بل بفضل جهوده لإقناع الدول الأعضاء بجدارته به.
 
نجح روته في تخطّي العقبة قبل الأخيرة حين ضَمَن تأييد فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، على هامش اجتماع الزعماء الأوروبيين غير الرسمي الأخير. أما العقبة الأخيرة فحلّت نفسها بنفسها، حين أعلن الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس انسحابه من السباق، ما مهّد الطريق للكشف عن مباركة الدول الأعضاء الـ 32 اختيار الزعيم الهولندي. ورحّب الأمين العام الحالي ينس ستولتنبرغ بانتقاء روته، معتبراً أن ذلك يعني أن الحلف سيكون في أيدٍ أمينة.
 
وكانت كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، وأرتورز كريغانيس كارنيش، رئيس وزراء لاتفيا السابق، فضلاً عن يوهانيس، ومته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، من المتحمسين للحلول محل ستولتنبرغ. وجادلت دول أوروبا الشرقية والبلطيق أن دورها أتى لتسلّم دفّة التحالف بعد نحو 25 عاماً من توسعته التي شهدت انضمام دول الاتحاد السوفياتي السابق هذه إليه. ولفتت إلى أن بلدان أوروبا "القديمة" قادته في الماضي مرّات عدة. والواقع أن هذه الملاحظة تنطبق على هولندا أكثر من غيرها. وبتعيين روته الأمين العام الثاني عشر، باتت بلاده صاحبة حصة الأسد من الأمناء العامين (4) الذين قادوا الحلف منذ إنشائه في عام 1949، وتليها بريطانيا (3).
 
إلّا أن تكافؤ الفرص بين الدول الأعضاء للحلف ليس المبدأ الذي يحكم آلية البحث عن شخصية قادرة على أداء هذا الدور ذي الصلة المباشرة بعلاقات القوة والتوازنات الاستراتيجية. من هنا كانت أهمية هولندا كدولة مؤسسة، والدعم الذي تلقّاه روته، ولا سيما من واشنطن وباريس وبرلين ولندن، بفضل علاقاته الوثيقة بهذه الدول، عاملين مهمّين حسما المنافسة لمصلحته.
 
لقد نجح بفضل حكمته واجتهاده في قيادة دولة غربية لها وزنها طيلة 14 عاماً، وحمايتها من عواصف وأنواء كادت تُغرقها. ولهذا، أصاب زعماء الدول الأعضاء في اعتباره الأكثر كفاءة للأخذ بيد التحالف في مرحلة ربما تكون الأخطر في سنواته الـ 75، فخبرته لا تضاهى.
 
وقد يمكث على رأس الحلف مدة أطول من خمسة أعوام، فالأوضاع الراهنة قد تزداد توتراً عمّا كانت عليه خلال الفترة التي مُدّد فيها لستولتنبرغ ثلاث مرّات (في 2018 و2022 ثم في 2023) لأسباب في مقدّمتها الظروف السائدة.
 
ثمة قائمة طويلة من المسائل المتشابكة التي تنتظر المعالجة من قبل الناتو، أو التي يتوقع أن تواجهه. تبدأ أكثرها إلحاحاً بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها، ولا تنتهي عند موضوع انتساب كييف للحلف. وتنتشر التكهنات بأن موسكو ستشن هجوماً كاسحاً في الخريف، لا يبدو أن أوكرانيا، ولا الغرب من ورائها، مستعدين لصدّه. وسيتضاعف التحدّي إذا عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في تشرين الثاني (نوفمبر)، وأخذ يضع بعض تهديداته بشأن أوكرانيا وبخصوص الناتو أيضاً، موضع تطبيق. فهذا سيكون مؤذياً في حدّ ذاته، ناهيك بتأثيره على العناصر المشاكسة ضمن الحلف الموالية لموسكو مثل رئيس الوزراء المجري الذي يرفض تقديم أي مساهمة صغيرة أو كبيرة في جهود الناتو في أوكرانيا. وأوربان سيشكّل مع نظيره السلوفاكي روبرت فيكو، وربما خيرت فيلدرز الهولندي أو ممثليه، رأس الحربة التي ستعمل على عرقلة مشاريع الحلف التي تستهدف روسيا.
 
والمتوقع أن يكون الشعبوي مصدر صداع من نوع آخر لمواطنه. فلطالما عارض السياسي الشعبوي ضخ المال العام في منظمة لها توجّه وبنية عالميان كالناتو، بدلاً من تكريس إمكانات هولندا لخدمة الهولنديين وحدهم وتعزيز الدولة الوطنية، لا العالمية.
 
وواجب روته يتطلّب منه إقناع الدول برفع الإنفاق العسكري والوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الحلف. إلّا أن هذه ستكون من أصعب مهامه مع فيلدرز وغيره. فكيف سيحث الجميع على احترام قاعدة كان سبّاقاً إلى انتهاكها؟ تردّد حين كان رئيساً للوزراء في دفع ما يترتب على بلاده للناتو، وفي رصد ما لا يقلّ عن اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري تلبية لرغبة الحلف. وقد أثار منافسوه هذه النقطة بقوة معتبرين أنها تكفي لاستبعاده من قائمة المرشحين للأمانة العامة.
 
وأياً كانت خلافاته مع فيلدرز، فهو لن يصطدم معه بشأن إسرائيل! موقف الأمين العام الجديد من تل أبيب أخطر من تعصّب مواطنه الشعبوي لها، بسبب عمقه وحكمته. شدّد في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بجرأة لم تتوفر لجميع أنصارها من نظرائه الأوروبيين. وواصل إمدادها بالسلاح وبقطع غيار مهمّة لمقاتلات إف-35 التي تستعملها بنشاط في غزة، بعد إدانة محكمة العدل الدولية - جارته في لاهاي - لها بالتورط في أعمال "إبادة" محتملة!
 
مستبعدٌ أن يغيّر موقفه من إسرائيل بعد تسلّم عمله الجديد، حتى لو أمعنت في إحراجه هو وأصدقائها. وقد تشغله عنها كوابيس توسعة الناتو وأوكرانيا وترامب، الذي يعتبر روته الأقدر على ترويضه. 

اقرأ في النهار Premium